كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

أيها السيد الرئيس [الرئيس الدوري للجمعية العامة]،
سيداتي وسادتي،
إن الكلمة التي سألقيها سوف تُدهشكم، ذلك لأن إسرائيل ينتظرها المستقبل الباهر في الأمم المتحدة. وأعلم بأن الاستماع إلى هذا الكلام يصدر عني يُعتبر مفاجأة كوني أقف عاماً تلو آخر على هذا المنبر مندداً بالأمم المتحدة لما تتخذه من موقف معادٍ مهووس تجاه إسرائيل. ويجب القول إن الأمم المتحدة "نالت" بحق شرف توجيه أي كلمة انتقاد إليها، خاصة وأن الجمعية العامة اعتمدت خلال العام الماضي ما لا يقل عن 20 قراراً ضد دولة إسرائيل الديمقراطية مقابل اعتمادها 3 قرارات لا غير ضد كل دول العالم الأخرى على وجه الأرض. إذاً- إسرائيل رصيدها 20 نقطة [إشارةً إلى عدد القرارات الأممية المعادية لها] بينما رصيد باقي العالم ليس إلا 3 نقاط.
أما بعد، فماذا يمكن القول عن هذه النكتة المسماة "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"؟ إنه يتخذ كل عام قرارات بإدانة إسرائيل يزيد عددها عن مجمل قراراته بحق دول العالم مجتمعة. وفي الوقت الذي تتعرض فيه النساء للاغتصاب والقتل وممارسات بيعها للعبودية، فأي هي الدولة الوحيدة التي قررت لجنة الأمم المتحدة لشؤون المرأة إدانتها خلال العام الجاري؟ نعم، لقد "حزرتم" وأصبتم- إنها إسرائيل، الدولة حيث تقود النساء الطائرات المقاتلة وحيث يقفن على رأس شركات كبرى وجامعات، ناهيك عن تولي سيدة- مرتيْن- رئاسة المحكمة العليا وتولي سيدتيْن أخرييْن مقاليد رئاسة الكنيست ورئاسة الحكومة.
ويستمرّ هذا "السيرك" في اليونيسكو وهي الهيئة الأممية المكلفة بحفظ التراث العالمي. قد يصعب تصديق الكلام، لكن اليونيسكو عمدت قبل فترة ليست ببعيدة إلى إنكار الصلة التي تربط اليهود منذ 4 آلاف عام بأقدس موقع بالنسبة لهم، ألا وهو جبل الهيكل [حيث كان قد تم إنشاء الهيكليْن المقدَّسيْن لليهود قبل خرابهما، علماً بأن الموقع ذاته معروف أيضاً بـ"الحرم القدسي الشريف"]. ولا تقلّ هذه الخطوة عبثيةً عن إنكار الصلة التي تربط الصين بالسور الصيني العظيم.
سيداتي وسادتي،
كانت الأمم المتحدة قد انطلقت بصفة قوة أخلاقية لكنها تحولت إلى مهزلة أخلاقية. وعليه فإنكم تعتقدون على الأرجح بأن الأمور لن تتغير كلما كانت تتصل بموقف الأمم المتحدة من إسرائيل. لكنني أدعوكم إلى إعادة التفكير بالموضوع. سوف يتغير كل شيء وبسرعة أكبر مما يستطيع أي منكم تصوّرها. وسيطرأ هذا التغيير على ما يجري في هذه القاعة تحديداً [قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة] بصورة تزيد سرعتها كثيراً عما تعتقدون. وسيعود هذا التغيير المرجح في هذه القاعة إلى تحرك الحكومات نحو تغيير موقفها من إسرائيل، مما سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تغيير أنماط التصويت المبتذلة حول المسألة الإسرائيلية في الأمم المتحدة. وهناك عدد متزايد من الدول والأمم في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية التي تعتبر إسرائيل شريكاً راسخاً لها سواء أكانت هذه الشراكة تتعلق بـ[محاربة] الإرهاب اليوم أو بتطوير تقنيات المستقبل.
وقد أصبحت إسرائيل تقيم الآن علاقات دبلوماسية مع أكثر من 160 دولة أي ما يضاعف تقريباً [عدد هذه الدول] عندما توليتُ هنا منصب سفير إسرائيل [لدى الأمم المتحدة] قبل نحو 30 عاماً. ولا يمرّ يوم إلا وتزداد هذه العلاقات اتساعاً وعمقاً. وأصبح قادة دول العالم يدركون أكثر فأكثر حقيقة كون إسرائيل دولة شديدة القوة ذات أجهزة استخبارات من أفضل الأجهزة على وجه البسيطة. وبفضل ما لدينا من تجارب متراكمة لا نظير لها، وأيضاً بفضل قدراتنا المؤكدة على صعيد مكافحة الإرهاب، فإن الكثير من حكوماتكم [مخاطباً سفراء دول العالم لدى الأمم المتحدة] تطلب منا المساعدات للحفاظ على أمن دولها. كما يهتمّ الكثيرون بالاستفادة من الابتكارات الإسرائيلية في مجالات الزراعة والصحة والمياه والفضاء الإلكتروني (أي فيما يتعلق بتلك البوتقة حيث تنصهر البيانات الكبرى والروابط الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، علماً بأن هذه البوتقة باتت تغيّر عالمنا بشتى الطرق والوسائل).
أرجو أن تفكّروا في مغزى الأمر: إن إسرائيل هي الدولة الرائدة عالمياً من حيث إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، إذ نتمكن من إعادة تدوير نحو 90% من مياه الصرف الصحي لدينا. وهذه الحقيقة مدهشة بكل المقاييس، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة نجاح الدولة التالية في القائمة في إعادة تدوير نحو 20% فقط من مياه الصرف الصحي الخاصة بها. كما أن إسرائيل هي دولة عظمى عالمياً فيما يتعلق بالمياه. وعليه، وإذا كان العالم يتعطش للمياه- وهو كذلك فعلاً- فلا يوجد أي شريك أفضل من إسرائيل.
يا ترى، ماذا بالنسبة لأمن الفضاء الإلكتروني؟ إن هذه القضية تؤثر علينا أجمعين. ورغم أن مجموع عدد سكان إسرائيل لا يتعدى العُشر بالمئة من مجموع سكان العالم، إلا أن العام الماضي شهد حصول إسرائيل على نسبة تبلغ حوالي 20% من مجموع الاستثمارات العالمية الخاصة في مجال أمن الفضاء الإلكتروني. ويعني ذلك أن مساهمة إسرائيل في هذا المضمار تضاعف حجمها 200 ضعف. وبالتالي صارت إسرائيل دولة عظمى عالمياً في مجال الفضاء الإلكتروني. وإذا قام الهاكرز [مخترقو أنظمة الحواسيب] بمهاجمة مصارفكم وطائراتكم ومحطاتكم لتوليد الطاقة الكهربائية وغيرها من الأهداف والمصالح الكثيرة، فإن إسرائيل تستطيع تقديم المساعدات ذات القيمة الأغلى من الذهب.
خلاصة القول: إن الحكومات تغير موقفها من إسرائيل لأنها تعلم يقيناً بأن إسرائيل تستطيع تقديم يد العون لها في حماية مواطنيها وضمان أمنهم الغذائي وتحسين حياتهم. وقد سنحت لي خلال فصل الصيف الماضي فرصة رائعة لمشاهدة هذا التغيير بأم عينيَّ، وتحديداً خلال رحلة لن تُنسى قمت بها لـ4 دول إفريقية. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي لإفريقيا منذ بضعة عقود. كما أنني سألتقي في وقت لاحق من هذا اليوم زعماء 17 دولة إفريقية لنبحث كيفية استفادتهم من التقنيات الإسرائيلية لإنجاح جهودهم الرامية إلى إحداث الثورات في دولهم. وهكذا تتغير الأمور في إفريقيا. كما أن النظرة إلى إسرائيل في كل من الصين والهند وروسيا واليابان قد تغيرت أيضاً. إذ تعي هذه الدول القوية أن إسرائيل، رغم [صغر] حجمها، تستطيع إحداث تغيير هائل في كثير من المجالات الهامة بالنسبة لها.
أما الآن فألقي عليكم مفاجأة من العيار الأثقل، ذلك لأن التغيير الأكبر في الموقف من إسرائيل يجري في مكان آخر [مما تقدَّم ذكره] وتحديداً في العالم العربي. وما زالت معاهدتا السلام اللتان وقعناهما مع مصر والأردن تشكّلان ركيزة أساسية من الاستقرار في الشرق الأوسط المتقلب. غير أنه يجب أن أؤكد لكم- لأول مرة في حياتي- أن هناك دولاً كثيرة أخرى في المنطقة باتت تعترف بأن إسرائيل ليست عدواً لها. إنها تعترف بأن إسرائيل هي حليفتها. إن أعداءنا المشتركين هم إيران وداعش فيما تتمثل أهدافنا المشتركة بتحقيق الأمن والازدهار والسلام. وأعتقد بأننا سنعمل معاً خلال السنوات القريبة القادمة من أجل تحقيق هذه الأهداف حيث سيجري هذا العمل بشكل معلن.
بالتالي تمرّ علاقات إسرائيل الدبلوماسية بفترة لا يمكن الحديث عنها بأقل من ثورة، لكننا لن ننسى أبداً، في خضمّ هذه الثورة، أن التحالف الأعزّ لدينا والصداقة الأعمق لدينا تتجسد مع شعب الولايات المتحدة الأميركية وهي أكثر دول العالم قوة وكرماً. إن تحالفنا غير القابل للاختلال مع الولايات المتحدة يتسامى عن الاعتبارات الحزبية والسياسية ليعكس، فوق أي شيء آخر، التأييد الحاشد لإسرائيل لدى الشعب الأميركي، حيث أصبح هذا التأييد يبلغ حالياً مستويات قياسية مما يجعلنا ندين [للأميركيين] بالشكر والامتنان من أعماق القلب. وإذا كانت الأمم المتحدة تندد بإسرائيل فها هي الولايات المتحدة تدعمها. ويتمثل أحد الأركان الثابتة لهذه الحماية [الأميركية المقدمة لإسرائيل] بالدعم الأميركي المتواصل لإسرائيل على ساحة الأمم المتحدة. وأكنّ التقدير لالتزام الرئيس أوباما بهذه السياسة الأميركية المستمرة منذ سنوات طوال. بالفعل استهدفت المناسبة الوحيدة، التي استخدمت فيها الولايات المتحدة حق النقض لعرقلة قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي، خلال فترة ولاية أوباما الرئاسية، استهدفت قراراً مناوئاً لإسرائيل اتخذه المجلس عام 2011. وكما سبق للرئيس أوباما أن صرح من فوق هذا المنبر، والحق معه، فإن السلام لن يأتي بفضل التصريحات والقرارات الأممية.
أعتقد بأن الموعد، الذي تستطيع فيه إسرائيل التعويل على دول كثيرة تقف إلى جانبنا في الأمم المتحدة، ليس عنا ببعيد. وصارت فترة قيام سفراء الدول لدى الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل تلقائياً تقترب من نهايتها بصورة مؤكدة مهما كانت بطيئة.
سيداتي وسادتي،
إن الأغلبية التلقائية التي تواجهها إسرائيل حالياً في الأمم المتحدة تُعيد إلى ذهني القصة المدهشة لهيرو أونادا. إذ كان هيرو عسكرياً يابانياً أرسِل إلى الفلبين عام 1944 حيث عاش حياته في الغابات وهو يبحث عن الغذاء ويتهرب من محاولات إلقاء القبض عليه. وعندما استسلم في نهاية الأمر كان ذلك عام 1974 أي بعد مضي نحو 30 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية. وظل هيرو على مدى عدة عقود يرفض تصديق حقيقة انتهاء الحرب. وعندما كان لا يزال مختبئاً في الغابة كان هناك سياح يابانيون يسبحون في مسابح الفنادق الأميركية الراقية في مانيلا. ولم تنته القصة إلا عندما تم إرسال القائد السابق لهيرو لمخاطبته وإقناعه بالخروج من مخبأه حيث وافق هيرو حينها على إلقاء سلاحه..
سيداتي وسادتي، أيها الممثلون الكرام لعدد كبير من الدول، أرجو أن أنقل إليكم اليوم رسالة واحدة دون غيرها: ألقُوا أسلحتكم! إن الحرب ضد إسرائيل قد انتهت! لعل بعضكم ما زال على غير علم بالأمر إلا أنني على قناعة بأن هؤلاء سترِدهم ذات يوم، وفي المستقبل غير البعيد، رسالة بهذا المعنى من رؤساء دولهم أو رؤساء حكوماتهم الذين يحيطونهم علماً بأن الحرب ضد إسرائيل في الأمم المتحدة قد انتهت.
أعلم بأن هذا الهدوء قد تسبقه العاصفة؛ كما أعلم بأن هناك أحاديث مترددة عن إطلاق هجوم جديد على إسرائيل في الأمم المتحدة في وقت لاحق من العام الجاري. لكن بالنظر إلى وجود تأريخ من معاداة إسرائيل في الأمم المتحدة، هل يوجد من يصدق حقيقة أن تسمح إسرائيل للأمم المتحدة بالتحكم بأمنها وبمصالحها الوطنية الحيوية؟ إننا لن نتسامح مع أي محاولة من جانب الأمم المتحدة لطرح إملاءات وشروط على إسرائيل.
إن الطريق نحو السلام يمرّ عبر أورشليم القدس ورام الله وليس عبر نيويورك. لكن بغض النظر عما سيجري في الأشهر المقبلة، فإنني على ثقة تامة بأن السنوات المقبلة ستشهد تغلغل التحوّل الحاصل في مكانة إسرائيل بين الأمم واختراقها هذه القاعة أيضاً. وتشتدّ ثقتي بهذا الأمر لدرجة تجعلني أستشرف وقوف رئيس جديد للحكومة الإسرائيلية حيث أقف أنا الآن وهو يكيل المديح للأمم المتحدة.. لكنني أرجو سؤالكم: لماذا يتعيّن علينا التريث إلى حين مرور عقد كامل من السنين؟ ما الفائدة في استمرار قذف إسرائيل بالتهم؟ قد يعود سبب ذلك إلى وجود البعض ممن لا يفقَهُون أن الهوس في معاداة إسرائيل ليس مشكلة تقتصر على دولتي بل مشكلة تطال دولكم أيضاً، حيث إذا كانت الأمم المتحدة تضيع الكثير من وقتها على إدانة الدولة الديمقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط فلن يبقى لديها إلا القليل من الوقت المتاح للتعامل مع مشاكل الحروب والأمراض والفقر وتغيير المناخ وغيرها من المشاكل الخطيرة التي تعصف بالكرة الأرضية.
هل ساعدت إدانتكم لإسرائيل نصف مليون من المواطنين السوريين الذين تعرضوا للمذابح؟ إن إسرائيل نفسها هي التي قدمت العلاج الطبي في مستشفياتها لآلاف من الجرحى السوريين، لا بل إنني أوعزتُ بإنشاء مستشفى ميداني بمحاذاة حدودنا مع سوريا في هضبة الجولان.
هل أعان تشهيركم بإسرائيل مثليي الجنس الذين يتم إعدامهم شنقاً على رافعات في إيران؟ إنها إسرائيل حيث يسير المثليون الجنسيون فخروين في شوارعنا ويدخل ممثلوهم مجلسنا النيابي وبعضهم (وأقول ذلك من باب الفخر) من حزب الليكود الذي أقوده.
هل استفاد الأطفال الذين يموتون جوعاً من جراء ممارسات نظام القمع العنيف في كوريا الشمالية بشيء من شَيْطنة إسرائيل التي تعمدون إليها؟ إنها إسرائيل التي تسهم المعلومات الزراعية المتراكمة لديها في تغذية أصحاب البطون الخاوية في أنحاء العالم النامي.
لذا أقول: كلما أسرعت الأمم المتحدة في وضع حد لتعاملها المهووس مع إسرائيل، كان هذا الأمر يعود بالفائدة على إسرائيل وعلى دولكم وعلى الأمم المتحدة نفسها.
سيداتي وسادتي،
إذا كان يصعُب على الامم المتحدة الإقلاع عن عاداتها القديمة فكم بالأحرى يصعب على الفلسطينيين الإقلاع عما اعتادوه. إذ كان الرئيس عباس [رئيس السلطة الفلسطينية] قد حمل قبل وقت قصير من على هذا المنبر [في سياق كلمته أمام الجمعية العامة] على وعد بلفور، علماً بأنه بصدد إعداد لائحة دعوى قضائية لتقديمها ضد بريطانيا بسبب ذلك الوعد الذي مضى قرن بأكمله تقريباً على إعلانه. ترى، ما معنى الأمر عدا عن التشبث بالمفاهيم الماضوية؟ إذ يستطيع الفلسطينيون، بالقدر ذاته [من "العقلانية"]، رفع دعوى ضد إيران بسبب "تصريح الملك [الفارسي] كورش الكبير" الذي كان قد سمح لليهود بإعادة بناء هيكلهم في أورشليم قبل 2500 عام! دعونا نتساءل فعلاً عما يمنع الفلسطينيين من تقديم دعوى ضد أفراهام [إبراهيم خليل الله وهو الجد الأكبر لليهود بمقتضى التوراة] لأنه كان قد اقتنى قطعة الأرض المذكورة في الخليل حيث تم دفن الأجداد الأوائل للشعب اليهودي قبل 4 آلاف سنة؟ هل القضية برمتها تثير السخرية لدرجة جعلت [الرئيس عباس] يقاضي الحكومة البريطانية بسبب صدور وعد بلفور؟ هل يقوم بذلك من باب السخرية؟ وهل يُؤخذ موقفه على محمل الجد هنا [في الأمم المتحدة]؟
في الواقع جاء هجوم الرئيس عباس على وعد بلفور لأن هذا الوعد كان قد اعترف بحق الشعب اليهودي في أن يكون له وطن قومي على أرض إسرائيل. وعندما أيدت الأمم المتحدة [مشروع القرار القاضي بـ] إقامة دولة يهودية عام 1947 فإنها اعترفت بذلك بحقوقنا التأريخية والأخلاقية في أرض آبائنا وأجدادنا. لكن رغم ذلك، فإن الفلسطينيين ما زالوا يرفضون الآن- بعد مضي نحو 70 عاماً- الاعتراف بهذه الحقوق ويقولون "لا" لحق [الشعب اليهودي] في أن يكون له وطن قومي و"لا" لحقه في أن يكون صاحب دولة و"لا" لحقه في أن يملك أي شيء على الإطلاق. وكان هذا الموقف ولا يزال لبّ النزاع، بمعنى أن الفلسطينيين يتمادون في رفضهم الاعتراف بالدولة اليهودية أياً كانت حدودها. وعليه فإن هذا النزاع لا يدور حول المستوطنات ولم يكن كذلك قط، بل كان النزاع يجري على مدى عقود قبل إقامة ولو مستوطنة واحدة وفي فترة كانت فيها مناطق يهودا والسامرة وغزة جميعاً تخضع للحكم العربي، لكن هذه الحقيقة لما كانت تقف حائلاً أمام قيامهم بشن الهجمات المتلاحقة علينا. وعندما أقدمنا على اقتلاع 21 مستوطنة وإخلاء غزة حتى آخر شبر من أراضيها فلم يأتِنا السلام من غزة بل أمطرونا بآلاف الصواريخ التي تم إطلاقها من غزة. وبالتالي يستمر هذا النزاع لأن الفلسطينيين يطالبون باستعادة حيفا ويافا وتل أبيب معتبرين إياها المستوطنات الحقيقية.
إن قضية المستوطنات حقيقية وقابلة للحل، بل يجب حلها، ضمن مفاوضات الوضع الدائم، لكن هذا النزاع لم يدُر قط حول المستوطنات أو حول إقامة دولة فلسطينية بل كان محوره المتواصل يجري دوماً حول مجرد وجود دولة يهودية أياً كانت حدودها.
سيداتي وسادتي،
إن إسرائيل مستعدة- وإنني شخصياً مستعد- لخوض المفاوضات حول جميع قضايا الوضع الدائم، لكن إذا كانت هناك قضية واحدة لن أتفاوض حولها أبداً فما هي إلا قضية حقنا في وجود الدولة اليهودية الواحدة الوحيدة.
[تخلل التصفيق كلمة رئيس الوزراء حيث علق عليه قائلاً]
واو! [صيغة تعجب محكية] هل حقاً يتم التصفيق مطولاً لرئيس حكومة إسرائيلي في الجمعية العامة؟! ربما جاء التغيير [الذي تحدث عنه رئيس الوزراء أعلاه فيما يتعلق بموقف الأمم المتحدة من إسرائيل] أسرع مما كنت أعتقد أصلاً..
لو كان الفلسطينيون يقولون "نعم" للدولة اليهودية عام 1947 لما كانت الحرب تنشب ولما كانت توجد قضية اللاجئين أو أي نزاع أصلاً. وعندما سيقول الفلسطينيون، آخر الأمر، "نعم" للدولة اليهودية سيتسنى وضع حد لهذا النزاع. غير أن المأساة تتجلى هنا تحديداً، ذلك لأن الفلسطينيين غير "عالقين" بالماضي فحسب بل تقوم قياداتهم بتسميم المستقبل أيضاً. أرجو منكم أن تتخيّلوا يوماً في حياة صبي فلسطيني يبلغ 13 عاماً من العمر، دعونا نسميه "علي": إذ يستيقظ علي صباحاً قبل بدء الدوام المدرسي ويذهب للمشاركة في تدريب ضمن فريق لكرة القدم يحمل اسم "دلال المغربي" وهي الإرهابية الفلسطينية التي تتحمل مباشرة المسؤولية عن قتل 37 إسرائيلياً على متن حافلة [قاصداً الاعتداء الآثم بمشاركة تلك المخربة الذي شنته مجموعة إرهابية فلسطينية على حافلة مدنية إسرائيلية كانت تسير على الطريق الساحلي السريع إلى الشمال من تل أبيب عام 1979]؛ ثم يشارك علي ضمن الفعاليات المدرسية في حفل يجري برعاية وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تكريماً لبهاء عليان الذي كان قد قتل العام الماضي 3 مدنيين إسرائيليين [بإطلاق النار عليهم داخل حافلة مدنية في أحد أحياء أورشليم القدس علماً بأن هذا المخرب قتِل أيضاً خلال الاعتداء وأصبح "شهيداً" و"مناضلاً" بنظر الفلسطينيين]؛ أما في طريق عودته من المدرسة إلى منزله فيرفع علي عينيْه ويشاهد النصب التذكاري الشاهق الذي لم تمضِ إلا عدة أسابيع على إنجاز مشروع إنشائه من قبل السلطة الفلسطينية [في مدينة رام الله] تكريماً للمدعو أبو السكر الذي كان قد فجر قنبلة في قلب أورشليم القدس [قاصداً الاعتداء الإرهابي الشنيع المعروف بـ"عملية الثلاجة" الذي ارتكبه هذا الشخص في ميدان صهيون وسط العاصمة عام 1975]؛ وعندما يعود الصبي علي إلى منزله يشغل التلفزيون فإنه يشاهد مقابلة مع شخصية فلسطينية رسمية وهي جبريل الرجوب [رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح] الذي يقول خلالها إنه لو كان يملك السلاح النووي لكان يستخدمه ضد إسرائيل؛ ثم يشغل الصبي علي الراديو حيث يستمع إلى أقوال مستشار الرئيس عباس سلطان أبو عينين الذي يلح على الفلسطينيين (وها أنني أستشهد بكلامه) بطلب "قطع رقاب الإسرائيليين أينما كانوا"؛ ثم يدخل علي صفحة الفيسبوك الخاصة به حيث يقرأ منشوراً كانت حركة فتح بقيادة الرئيس عباس قد رفعته مؤخراً بحيث يضفي المنشور على المجزرة التي طالت حياة 11 رياضياً إسرائيلياً في دورة ميونيخ للألعاب الأولمبية [عام 1972، حيث ارتكبت مجموعة إرهابية فلسطينية هذا الاعتداء الآثم] صفة "العمل البطولي"؛ كما يتسنى للصبي علي أن يشاهد عبر موقع يوتيوب شريطاً مصوراً للرئيس عباس نفسه الذي يقول- وأستشهد حرفياً بكلامه: "نرحب بأي نقطة دم يتم سفكها في القدس"؛ وفي وقت لاحق، لدى تناوله وجبة العشاء، يسأل علي والدته عن تبعات احتمال إقدامه على قتل يهودي وحبسه في السجن الإسرائيلي. أما جوابها فيأتي كالتالي: إذ تخبره الوالدة بأنه سيحصل على [راتب مقداره] آلاف الدولارات شهرياً من السلطة الفلسطينية، لا بل إنها تخبره بأنه كلما أثخن في قتل اليهود كان يتلقى مبلغاً أكبر من المال ثم يتم توظيفه في دوائر السلطة الفلسطينية فور انتهاء فترة محكوميته في السجن.
سيداتي وسادتي،
إن كل ما سبق ما هو إلا عين الحقيقة بل يتكرر كل يوم وفي أي وقت. ويمثل "علي" للأسف الشديد مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين يتعرضون للتلقين المُمَنهج الذي يحرضهم على الكراهية في أي لحظة. ويُعتبر الأمر بمثابة إساءة معاملة الأطفال، حيث أرجو منكم أن تتخيّلوا طفلكم يتعرض لهذا النوع من غسل الدماغ؛ تخيّلوا ما أكبر الجهد المطلوب من أي صبي أو صبية لكي يتحرروا من ثقافة الكراهية هذه. ويتكلل مجهود بعضهم بالنجاح لكن الآخرين- وهم كثيرون- يعجزون عن ذلك. كيف يستطيع أي منا أن يتوقع من الشبان الفلسطينيين دعم خيار السلام عندما يقوم قادتهم بتسميم عقولهم لجعلهم يعارضون السلام؟
إننا، في إسرائيل، لا نفعل ذلك، بل إننا نربّي أطفالنا على [القيم الداعية إلى] السلام. وكانت الحكومة برئاستي قد أطلقت قبل فترة غير بعيدة برنامجاً تجريبياً ينص على تحويل دراسة اللغة العربية مادة إلزامية بالنسبة للطلاب اليهود لكي نستطيع تحقيق التفاهم الأفضل ولكي نعيش معاً جنباً إلى جنب بسلام.
غني عن القول إن هناك في إسرائيل أيضاً، شأنها شأن أي مجتمع، عناصر هامشية [متطرفة بعداوتها للعرب]. غير أن وجه الفرق بين الحالتيْن [الإسرائيلية والفلسطينية] يتمثل بكيفية تعاملنا مع هؤلاء العناصر الهامشية. خذوا مثلاً الحادث المأساوي الذي تعرض له الطفل أحمد دوابشة [من سكان قرية دوما الفلسطينية شرقي نابلس الذي قضى والداه وشقيقه في حريق متعمد افتعله شاب يهودي متطرف]. إذ لن أنسى أبداً الزيارة التي قمت بها للمستشفى حيث كان أحمد قيد العلاج بعد مضي ساعات معدودة على تعرضه لهذا الاعتداء. وكان هذا الولد الصغير أم الطفل بالأحرى قد أصيب بحروق بالغة وكان ضحية لاعتداء إرهابي شنيع ارتكبه يهود. وكان أحمد يرقد ملفوفاً بالأربطة وفاقداً للوعي فيما كان الأطباء الإسرائيليون يجتهدون في عملهم على مدار الساعة لإنقاذ حياته. ويعجز أي كلام عن تقديم العزاء لهذا الطفل وأبناء عائلته، لكنني خاطبتُ عمّه وأنا أقف بمحاذاة سرير الطفل في المستشفى وقلت له: "إن هذه [الفعلة] لا تمثل شعبنا أو طريقنا"، ثم أصدرتُ أوامري ببذل كل جهد مستطاع لتأخذ العدالة مجراها بحق العناصر المعتدية على أحمد، علماً بأن المواطنين الإسرائيليين اليهود المتهمين بالاعتداء على عائلة دوابشة أصبحوا الآن رهن الاعتقال بانتظار بدء محاكمتهم.
قد يدّعي البعض بأن هذه القصة تدل على أن كلا الطرفيْن [الإسرائيلي والفلسطيني] لديه عناصر متطرفة ما يعني أن كليْهما يتحمل قدراً متساوياً من المسؤولية عن هذا النزاع اللامتناهي. غير أن قصة الطفل أحمد [دوابشة] إنما تجسد في الحقيقة عكس هذا الكلام، كونها تجسد الفرق الشاسع بين كلا المجتمعيْن. ففي الوقت الذي يستنكر فيه الزعماء الإسرائيليون الإرهاب بكافة أشكاله، سواء أكان عربياً أم يهودياً، فإن الزعماء الفلسطينيين يثمّنون بالإرهاب عالياً؛ وفي الوقت الذي تفرض فيه إسرائيل عقوبة السجن على قلة صغيرة من الإرهابيين اليهود فإن الفلسطينيين يدفعون [الرواتب] لآلاف من العناصر الإرهابية لديهم. وعليه وجهتُ الدعوة إلى الرئيس عباس وقلت له: "أمامك خياران: إما الاستمرار في تنمية الكراهية كما فعلتَ حتى الآن، وإما التعامل أخيراً مع هذه الكراهية والتعامل معي سعياً لتحقيق السلام بين كلا شعبيْنا".
سيداتي وسادتي،
إنني أسمع الأحاديث المتكررة وأعلم بأن الكثير منكم قد تخلوا عن السلام. غير أنني أرجو إعلامكم بأنني لم أتخلَّ عن السلام. لا أزال ملتزماً برؤية سلمية تقوم على فكرة الدولتيْن للشعبيْن. كما أنني أعتقد، بخلاف اعتقادي في الماضي، بأن التغييرات الجارية في العالم العربي حالياً تنطوي على فرصة مميَّزة لدفع السلام إلى الأمام. وأرجو الإشادة بالرئيس المصري [عبد الفتاح] السيسي للجهود التي يقوم بها من أجل دفع السلام والاستقرار في منطقتنا. كما أن إسرائيل ترحب بالروح التي تسود مبادرة السلام العربية بالإضافة إلى ترحيبها بالحوار مع الدول العربية في مسعى للمضي قدماً نحو تحقيق السلام الأوسع نطاقاً. وأعتقد بأن الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءاً من هذا السلام إذا أردنا تحقيقه بالكامل. وبالتالي فإنني مستعد لمباشرة المفاوضات سعياً لتحقيق هذه الغاية اليوم قبل الغد! اليوم وليس في الأسبوع القادم!
كان الرئيس عباس قد ألقى هنا كلمته قبل ساعة. ألم يكن من الأفضل لو كنا نتحاور فيما بيننا بدلاً من تبادل الخطابات فوق رؤوسنا؟ أيها الرئيس عباس، أدعوك- بدلاً من التهجّم على إسرائيل في مقر الأمم المتحدة بنيويورك- إلى إلقاء كلمتك أمام شعب إسرائيل في الكنيست [البرلمان] بأورشليم القدس، كما يسرّني الوصول إلى رام الله لإلقاء كلمتي أمام البرلمان الفلسطيني.
سيداتي وسادتي،
في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل لتحقيق السلام مع كافة جيرانها فإننا نعلم يقيناً أنه ليس ثمة عدو أكبر للسلام من قوى التشدد الإسلامي. إن النتائج الدموية المترتبة على هذا التشدد تجتاح كل القارات الممثلة هنا، حيث سبق لها أن اخترقت كلاً من باريس ونيس وبروكسل وبغداد وتل أبيب وأورشليم القدس ومينسوتا ونيويورك. وقد تعرض الكثير من الناس، في منطقة تمتدّ من سيدني وحتى سان برناردينو [في ولاية كاليفورنيا الأميركية]، للعنف الذي تمارسه هذه الوحشية، وكان الضحايا من المسيحيين واليهود والنساء والمثليين الجنسيين والإيزيديين والأكراد وغيرهم كثيرين، إلا أن المسلمين الأبرياء هم الذين دفعوا أبهظ ثمن حيث تم ارتكاب المجازر بحق مئات الألوف منهم دون رحمة فيما أصبح الملايين نازحين يائسين، بينما يتعرض عشرات الملايين للاستبداد القاسي. إن هزيمة التشدد الإسلامي ستكون انتصاراً للبشرية جمعاء لكنها ستكون أولاً انتصاراً للمسلمين الكثيرين الذين يتطلعون إلى حياة تخلو من الخوف وترتكز على السلام والأمل. غير أن دحر قوى التشدد الإسلامي يتطلب محاربتها بلا هوادة. يجب علينا أن نحاربهم في العالم الحقيقي وكذلك في العالم الافتراضي من خلال تفكيك شبكاتهم وتجفيف مصادر تمويلهم وتقويض عقيدتهم. ونستطيع إلحاق الهزيمة بهذه القوى وسوف نهزمها. إن القروسطية عاجزة عن التغلب على الحداثة، إذ إن الأمل أقوى من الكراهية والحرية أقوى من الخوف. إننا قادرون على القيام بذلك.
سيداتي وسادتي،
إن إسرائيل تخوض يومياً هذا الصراع المصيري مع قوى التشدد الإسلامي. إننا ندافع عن حدودنا بوجه عناصر داعش ونمنع عمليات تهريب الأسلحة المخلّة بالتوازن إلى حزب الله اللبناني ونُحبط الاعتداءات الإرهابية الفلسطينية في مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ونمارس سياسة رادعة إزاء الهجمات الصاروخية المنطلقة من قطاع غزة الخاضع لسيطرة حماس، ذلك التنظيم الإرهابي الذي ما زال يرفض- تعبيراً عن شدة قسوته التي لا يتصوّرها عقل- إعادة 3 من المدنيين الإسرائيليين وإعادة الجثتيْن المحتجزتيْن لديه للجندييْن الإسرائيلييْن أورون شاؤول وهدار غولدين. ويحضر معنا هنا اليوم والدَا الجندي الراحل هدار غولدين- سِمحا وليئا غولدين- حيث ليس لديهما إلا طلب واحد: أن يتسنى لهما مواراة جثمان ابنهما الحبيب الثرى في إسرائيل. إن كل ما يتمنِّيانه ما هو إلا أمر في غاية البساطة: أن يستطيعا زيارة قبر هدار، ابنهما الذي سقط صريعاً، في إسرائيل. غير أن حماس ترفض هذا الأمر وكأنه لا يعنيها. إنني ألحّ عليكم بطلب الوقوف إلى جانب الوالديْن، إلى جانبنا، إلى جانب كل ما يمثل العدالة في عالمنا، إزاء هذه المعاملة غير الإنسانية لحماس التي تمثل كل ما هو غير عادل وهمجي. لقد باتت حماس تنتهك أي قانون إنساني يرِد ذكره في الكتب. لذا أرجو أن ترموها بالكتب.
سيداتي وسادتي، إن التهديد الأكبر الذي يطال دولتي والمنطقة بل العالم أجمع كان وما زال تهديد النظام الإسلامي المتطرف في إيران. إذ تسعى إيران علناً للقضاء على إسرائيل وتهدد الدول في أرجاء الشرق الأوسط وتمول الإرهاب في شتى ربوع المعمورة. وقد أطلقت إيران خلال العام الجاري الصواريخ الباليستية منتهكة بشكل مباشر قرارات مجلس الأمن الدولي. كما أنها وسّعت رقعة عدوانها في كل من العراق وسوريا واليمن. وتواصل إيران، وهي الراعي الأول للإرهاب في العالم، بناء شبكاتها الإرهابية العالمية التي أصبحت تتجاوز 5 قارات. وأرجو طرح النقطة التالية: إن التهديد الذي تشكله إيران بالنسبة لنا جميعاً لم يبقَ خلفنا بل إنه لا يزال أمامنا. وعليه يجب أن تشهد السنوات المقبلة مجهوداً مكثفاً وموحداً لصد العدوان والإرهاب اللذيْن تمارسهما إيران. وقد حان الوقت الآن، حيث أصبحنا أقرب من موعد رفع القيود النووية المفروضة على إيران بعد مضي عام [على توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى]، لتوضيح الأمر: إن إسرائيل لن تسمح للنظام الإرهابي الإيراني بتطوير السلاح النووي، ليس الآن وليس بعد عقد من السنين وليس في أي وقت من الأوقات على الإطلاق!
سيداتي وسادتي،
إنني أقف أمامكم اليوم في الوقت الذي يصارع فيه الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرس الموت. وكان شمعون [بيرس] من الآباء المؤسِّسين لدولة إسرائيل ومن أجرأ ساستها وأكثر قادتها تقديراً. إنني على يقين من أنكم تنضمّون إليَّ وإلى شعب إسرائيل بأسره لتبعثوا تمنيات الشفاء الكامل والعاجل للسيد شمعون. وكان تفاؤله غير المحدود محلّ إعجابي الدائم، كما أن قلبي- مثل قلبه- يمتلئ أملاً. ويملأ الأمل قلبي لأن إسرائيل قادرة على حماية نفسها بقواها الذاتية إزاء أي تهديد؛ ويملأ الأمل قلبي لأن شجاعة مقاتلينا ومقاتِلاتنا لا نظير لها؛ ويملأ الأمل قلبي لأنني على يقين من أن قوى الحضارة ستغلب في نهاية المطاف قوى الإرهاب؛ ويملأ الأمل قلبي لأن إسرائيل- أمّة الابتكارات- أصبحت في عصر الابتكارات دولة مزدهرة أكثر من أي وقت مضى؛ ويملأ الأمل قلبي لأن إسرائيل تعمل دون كلل من أجل دفع المساواة وتحقيق الفرص المتكافئة بين جميع مواطنيها يهوداً ومسلمين ومسيحيين ودروزاً وغيرهم؛ ويملأ الأمل قلبي لأنني أؤمن- رغم شكوك المشكِّكين- بأن إسرائيل ستنجز في السنوات المقبلة السلام الدائم مع كافة جيرانها!
سيداتي وسادتي،
إن قلبي يمتلئ أملاً بالنسبة لما تستطيع إسرائيل إنجازه لأنني شهدت ما حققته حتى الآن. إذ كان مجموع عدد سكاننا عام 1948، وهو ذلك العام الذي حققت فيه إسرائيل استقلالها، لا يتجاوز الـ800 ألف نسمة، فيما كانت صادراتنا الرئيسية هي لفاكهة البرتقال. وكان الناس يقولون حينها إننا أصغر وأضعف وأشدّ عزلة ودونية ديمغرافياً مما يسمح لنا بالبقاء، ناهيك عن تحقيق الازدهار. غير أن المشككين أخطأوا في تقديراتهم حينها بالنسبة لإسرائيل مثلما يرتكبون خطأ بالنسبة لإسرائيل الراهنة أيضاً. وقد تضاعف عدد سكان إسرائيل 10 أضعاف فيما تنامى اقتصادها بمقدار 40 ضعفاً. وصارت التقنيات أهمّ فرع من فروع صادراتنا الحالية، حيث تساهم التقنيات الإسرائيلية في تشغيل أجهزة الحواسيب والهواتف الخلوية والسيارات وغيرها كثيراً في ربوع المعمورة.
سيداتي وسادتي،
إن المستقبل يتبع المبتكرين. ولهذا السبب فإن المستقبل يتبع دولاً من قبيل إسرائيل. وترغب إسرائيل في أن تكون شريكة لكم في تحقيق هذا المستقبل. بالتالي أدعوكم جميعاً إلى التعاون مع إسرائيل واحتضانها ومشاركتها أحلامها والحلم في المستقبل الذي نستطيع أن نصنعه معاً، المستقبل القائم على الأمن والازدهار والسلام ونقل الأمل إلى الإنسانية جمعاء، المستقبل الذي تسمح فيها الأمم المتحدة لإسرائيل، حتى في هذه القاعة بالذات، وبصورة تحتّمها الأقدار، باحتلال الموقع الذي يليق بها بين سائر الأمم والدول.
شكراً لكم.