نص خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أمام جلسة مشتركة لمجلسيْ الكونغرس الأميركي في واشنطن 3.3.15
رئيس مجلس النواب جون باينر،
القائم بأعمال رئيس مجلس الشيوخ السيناتور أورين هاتش،
زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش مِكونيل،
زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي،
زعيم الأغلبية في مجلس النواب كيفين مِكارثي،
كما أرجو التعبير عن تقديري لزعيم [الأقلية] الديمقراطية [في مجلس الشيوخ] السيناتور هاري ريد. يا هاري، يسرّني رؤيتك وقد عُدت واقفاً على قدميْك، حيث أعتقد بأنه صدق من قال إنه لا يمكن إسقاط الرجل الطيب.
أيها الأصدقاء، إنني أشعر بتواضع إزاء هذا الاستحقاق المتمثل بإلقاء كلمة للمرة الثالثة أمام أهم مجلس تشريعي في العالم ألا وهو الكونغرس الأميركي. أرجو تقديم الشكر لكم جميعاً على حضوركم هنا اليوم. وأعلم بأن خطابي كان في صلب خلال كبير ويؤسفني شديد الأسف أن يكون هناك مَن اعتبر حضوري هنا عملاً سياسياً [حزبياً]، علماً بأنني لم أقصد ذلك قط.
أرجو تقديم الشكر لكم، الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين [في الكونغرس]، على دعمكم المشترك لإسرائيل عاماً بعد عام وعقداً تلو عقد. وأعلم بأنكم تقفون إلى جانب إسرائيل مهما كان الطرف الذي تنتمون إليه في الكونغرس.
إن التحالف الرائع بين الولايات المتحدة وإسرائيل كان دوماً يتسامى عن السياسة ويجب أن يبقى فوق السياسة دوماً، على اعتبار أن أميركا وإسرائيل تتقاسمان المصير المشترك وهو مصير أرضَيْ الميعاد اللتيْن تقدِّسان الحرية وتقدِّمان الأمل. وتدين إسرائيل بالشكر للشعب الأميركي على دعمه له وكذلك الأمر بالنسبة للرؤساء الأميركيين ابتداءً بهاري ترومان [الذي كان الرئيس الأميركي عند قيام دولة إسرائيل] وانتهاءً بباراك أوباما.
إننا نقدّر كل ما يقوم به الرئيس أوباما من أجل إسرائيل. وقد أصبح جزء من ذلك معروفاً مثل تعزيز التعاون الأمني والتبادل الاستخباري ومعارضة القرارات المناوئة لإسرائيل في الأمم المتحدة. غير أن هناك جزءاً آخر مما فعله الرئيس [أوباما] من أجل إسرائيل ويكون الناس أقل إدراكاً به. لقد اتصلت به عام 2010 عندما شبّ الحريق [الهائل] في الكرمل حيث استجاب فوراً لطلبي الحصول على مساعدات طارئة. وفي عام 2011، عندما كانت سفارتنا في القاهرة محاصَرة، قدم لنا [الرئيس أوباما] الدعم الحيوي في لحظة حرجة. وتكرر الأمر لدى معاونته لنا بإمدادنا بالصواريخ المعترِضة [للقذائف المعادية والخاصة بمنظومة "القبة الحديدية"] خلال عمليتنا في الصيف الماضي حيث واجهنا إرهابيي حماس.
وقد اتصلت في جميع هذه اللحظات بالرئيس [أوباما] الذي كان معنا. وقد يبقى بعض ما فعله الرئيس من أجل إسرائيل طي الكتمان إلى الأبد كونه يخصّ بعد القضايا الإستراتيجية الأشد حساسية العالقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي. غير أنني على علم بالأمر حيث أبقى دوماً مديناً بالشكر للرئيس أوباما على دعمه.
كما أن إسرائيل مدينة لكم بالامتنان، أيها [أعضاء] الكونغرس الأميركي، على دعمكم لنا في شتى الطرق ولا سيما على مساعداتكم العسكرية السخية ومساهمتكم في مجال الحماية من الصواريخ بما في ذلك [ما يتعلق بمنظومة] "القبة الحديدية". وكان الملايين من الإسرائيليين محميين من آلاف الصواريخ التي أطلقتها حماس خلال الصيف الأخير بفضل "قبة الكابيتول" [إشارةً إلى تلة الكابيتول في واشنطن حيث مقرّ الكونغرس الأميركي] التي أسهمت في إنشاء "القبة الحديدية" الخاصة بنا.
شكراً لكِ، يا أميركا، على ما تفعلينه من أجل إسرائيل!
أصدقائي، لقد حضرتُ إلى هنا اليوم لأنني أشعر بصفتي رئيساً لحكومة إسرائيل بالالتزام العميق بمحادثتكم عن قضية من شأنها تهديد مجرد وجود دولتي ومستقبل شعبي، ألا وهي سعي إيران نحو السلاح النووي.
إننا شعب قديم. وقد حاول الكثيرون مراراً وتكراراً على امتداد نحو 4 آلاف عام من التأريخ القضاء على الشعب اليهودي. وسنتلو مساء غد، عند الاحتفال بعيد المساخر (بوريم) سفر أستير حيث نقرأ عن نائب ملك فارس، رجل قوي يُدعى هامان، الذي خطط لإبادة الشعب اليهودي قبل حوالي 2500 عام. غير أن امرأة يهودية جريئة، الملكة أستير، كشفت هذا المخطط ومنحت الشعب اليهودي حق الدفاع عن نفسه ضد أعدائه. وتم إحباط المخطط ونجا شعبنا.
أما الآن فيواجه الشعب اليهودي محاولة أخرى لإبادته من جانب حاكم فارسي آخر. إذ يبث الزعيم الروحي لإيران آية الله خامنئي أقدم ضغينة موجودة- أي معاداة اليهود- مستخدماً أحدث التقنيات. إنه بات "يغرِّد" [قاصداً عبر موقع "تويتر" الإلكتروني الاجتماعي الشهير] أنه يجب إبادة إسرائيل. وتعرفون إن الإنترنت الحرّ لا يوجد في إيران، غير أن خامنئي "يغرّد" باللغة الإنجليزية عن واجب تدمير إسرائيل.
أما أولئك الذين يعتقدون بأن إيران تهدد بإبادة الدولة اليهودية لكنها لا تستهدف الشعب اليهودي، فأقول لهم: أنصتوا إلى حسن نصر الله زعيم حزب الله، الحركة الإرهابية الرئيسية التي ترعاها إيران، حيث قال: إذا احتشد كل اليهود في إسرائيل فإنهم سيوفّرون علينا مشقة مطاردتهم في أنحاء العالم.
غير أن النظام الإيراني لا يُعتبر مشكلة يهودية فحسب، شأنه تماماً شأن النظام النازي الذي لم يكن في حينه مشكلة يهودية فقط. إذ كان الملايين اليهود الستة الذين أبادهم النازيون جزءاً صغيراً من 60 مليوناً شخصاً كانوا قد قتِلوا إبان الحرب العالمية الثانية. وعليه فإن النظام الإيراني لا يشكل خطراً جسيماً بالنسبة لإسرائيل فحسب بل أيضاً بالنسبة للسلام في العالم أجمع.
ويجب علينا، تحرياً لدقة فهم مدى خطورة إيران حال امتلاكها السلاح النووي، أن ندرك إدراكاً كاملاً طبيعة نظامها الحاكم. إن الشعب الإيراني لهو شعب كثير المواهب. إن الإيرانيين هو ورثة إحدى أعظم حضارات العالم. غير أنهم تعرضوا عام 1979 للاختطاف من قبل أشخاص متعصبين لدينهم تحركوا فوراً لفرض نظام ديكتاتوري مظلم وعنيف عليهم. وقد قام المتشددون في ذلك العام بصياغة دستور جديد لإيران. ولم يوعِز الدستور إلى حراس الثورة بحماية حدود إيران فحسب بل أمرهم أيضاً بتولي الرسالة العقائدية للجهاد. إذ كان مؤسس هذا النظام آية الله الخميني يحثّ أتباعه على "تصدير الثورة إلى ربوع المعمورة".
ها أنني أقف هنا في واشنطن العاصمة، حيث يتبيّن الفرق شديد الوضوح. إذ إن الوثيقة الأساسية لأميركا [أي وثيقة الاستقلال الأميركية التي تم اعتمادها عام 1776] تعِد الناس بالحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة. أما الوثيقة الأساسية الخاصة بإيران فتدعو إلى الموت والاستبداد والسعي إلى الجهاد.
وفي الوقت الذي تنهار فيه الدول في ربوع الشرق الأوسط فإن إيران تتدخل لملء هذا الفراغ وتحقيق [رسالتها الأساسية] على أرض الواقع. إذ أصبح المرتزقة الإيرانيون في غزة وأذناب إيران في لبنان وحراس ثورتها في هضبة الجولان يطوّقون إسرائيل عبر ثلاثة أجنحة إرهابية. وأصبح الأسد [الرئيس السوري] يرتكب المذابح بالسوريين بدعم إيراني، فيما تعيث الميليشيات الشيعية فساداً في أنحاء العراق بدعم إيراني، ويسيطر الحوثيون على اليمن ويهددون المضيق الإستراتيجي [مضيق باب المندب] المطلّ على البحر الأحمر، الأمر الذي من شأنه- إضافة إلى مضيق هرمز [في الخليج]- أن يسمح لإيران بفرض طوق خانق آخر على خطوط إمدادات النفط للعالم. وكانت إيران قد أجرت قرب [مضيق] هرمز الأسبوع الماضي مناورات عسكرية تم خلالها محاكاة تفجير حاملة طائرات أميركية. وقد تم ذلك الأسبوع الماضي بالتزامن مع خوضهم [الإيرانيون] المحادثات النووية مع الولايات المتحدة.
ومع شديد الأسف فإن هجمات إيران على الولايات المتحدة خلال السنوات ال-36 الماضية لم تكن وهمية بأي حال من الأحوال بل كانت موجَّهة إلى أهداف حقيقية. إذ كانت إيران تحتجز عشرات الأميركيين رهائن في طهران [قاصداً فور وقوع الثورة الإسلامية عام 1979] ثم قتلت المئات من أفراد مشاة البحرية الأميركيين في بيروت [في تفجير انتحاري بشاحنة مفخخة عام 1985]، ثم كانت إيران مسؤولة عن مقتل وإصابة الآلاف من أفراد الأمن الأميركيين رجالاً ونساء في العراق وأفغانستان. وفيما يتعدى حدود الشرق الأوسط فقد اعتدت إيران على أميركا وحلفائها عبر شبكة الإرهاب العالمي التي كوَّنتها. إنها فجّرت مركز الجالية اليهودية [عام 1994] والسفارة الإسرائيلية [عام 1992] في بوينس أيرس. كما أنها ساعدت تنظيم القاعدة على قصف بعض السفارات الأميركية في إفريقيا [قاصداً الاعتداءات على السفارتيْن الأميركيتيْن في كينيا وتنزانيا عام 1998]، ناهيك عن محاولتها اغتيال السفير السعودي هنا في واشنطن العاصمة [في مخطط كان قد كشِف عنه عام 2011].
أما الشرق الأوسط فأصبحت إيران تسيطر على 4 عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وإذا لم يتم التصدي للعدوان الإيران فمن المرجح سقوط عواصم أخرى. وبالتالي، وفي الوقت الذي يتمنى فيه الكثيرون انضمام إيران إلى أسرة الشعوب، فإن إيران منشغلة في التهام بعض الدول. ويجب علينا جميعاً الوقوف معاً لوقف حملة الاحتلال والاستعباد والإرهاب التي تمارسها إيران.
وقد قيل لنا قبل عاميْن إنه يجب إعطاء الرئيس [الإيراني حسن] روحاني ووزير خارجيته [محمد جواد] ظريف فرصة لإحداث التغيير والاعتدال في إيران. يا له من تغيير واعتدال! إن حكومة روحاني تعدم مثليي الجنس شنقاً وتضطهد المسيحيين وتحبس الصحافيين وتعدم السجناء بأعداد أكبر من ذي قبل.
وكان ظريف نفسه، ذلك الرجل الذي يسحر الدبلوماسيين الغربيين، قد وضع إكليلاً من الزهور على ضريح عماد مغنية ["ضابط العمليات" الرئيسي لحزب الله اللبناني الذي اغتيل في دمشق عام 2009]. وكان عماد مغنية العقل المدبر للإرهاب الذي أراق الدماء الأميركية أكثر من أي إرهابي آخر ما عدا أسامة بن لادن. وكنت أتمنى أن يكون هناك مَن سأل ظريف عما فعله.
وما زال النظام الإيراني متشدداً كعادته، ويواصل استصراخه بـ"الموت لأميركا"، أميركا تلك التي يسمّيها "الشيطان الأكبر"، بصوت أعلى من أي وقت مضى. ولا يجوز أن يتفاجأ كائن من كان بالأمر، ذلك لأن عقيدة النظام الإيراني الثوري ذات جذور راسخة في التشدد الإسلامي، ولهذا السب سيبقى هذا النظام إلى الأبد عدواً لأميركا.
لا تنخدِعوا بالأمر. إن الصراع الدائر بين إيران وداعش [تنظيم الدولة الإسلامية السني المتشدد] لا يجعل إيران صديقة لأميركا. إن إيران وداعش تتنافسان على تاج التشدد الإسلامي. إذ يطلق أحد الطرفيْن على نفسه اسم "الجمهورية الإسلامية" فيما يسمي الآخر نفسه "الدولة الإسلامية". ويسعى كلاهما إلى فرض إمبراطورية إسلامية متشددة على المنطقة أولاً ثم على العالم بأسره. إنهما لا يختلفان إلا حول هوية الجهة التي تتولى حكم هذه الإمبراطورية.
ولا مكان لأميركا أو إسرائيل في "ألعاب العروش" القاتلة هذه [إشارة إلى المسلسل التلفزيوني الأميركي الشهير بهذا العنوان]. ولن ينعم حينها بالسلام لا المسيحيون ولا اليهود ولا المسلمون الذين لا يقبلون تلك العقيدة الإسلامية القروسطية، ولن تتمتع النساء بأي حقوق ولن ينعم أي كان بالحرية. وعليه، فكلما كان الأمر مرتبطاً سواء بإيران أو بداعش، فإن عدو عدوك ما هو إلا عدوك.
أما وجه الفرق بينهما فهو أن داعش يتسلح بسكاكين اللحّامين والأسلحة التي صادرها واليوتيوب، بينما هناك احتمال بأن تتسلح إيران عما قريب بالصواريخ الباليستية والقنابل النووية. ويجب علينا أن نذكر دوماً- وها أنني أكرر هذا الكلام مرة أخرى- أن أكبر خطر يواجه عالمنا هو هذه المزاوجة بين التشدد الإسلامي والسلاح النووي. إن هزيمة داعش مع منح إيران فرصة الحصول على السلاح النووي تعني كسب المعركة وخسارة الحرب. ولا يجوز لنا السماح بوقوع هذا الأمر.
بيْد أن هذا الأمر بعينه، أيها الأصدقاء، هو ما من شأنه أن يقع إذا قبلت إيران الصفقة قيد التفاوض. إن هذه الصفقة لن تمنع إيران من تطوير السلاح النووي، بل إنها ستضمن بالفعل حصول إيران على الكثير من هذه الأسلحة. دعوني أشرح لكم سبب الأمر: صحيح أن الصفقة النهائية لم يتم توقيعها بعد، إلا أن أجزاء معينة من أي صفقة محتملة باتت معروفة للجميع. إننا لا نحتاج إلى وكالات الاستخبارات والمعلومات السرية لكي نطّلع على ذلك. يمكن رصد التفاصيل في جوجل [محرك البحث الشهير في الإنترنت].
وإذا لم يحدث تغيير دراماتيكي فنعلم يقيناً بأن أي صفقة مع إيران ستشمل تنازليْن شديديْ المغزى سيجري تقديمهما لها. إن التنازل الأول سيبقي إيران مع بنية تحتية نووية واسعة مما يسمح لها خلال فترة زمنية قصيرة بتحقيق الاختراق المطلوب نحو القنبلة [النووية]، علماً بأن هذه الفترة تعني المدة المطلوبة لتكديس كمية كافية من اليورانيوم أو البلوتونيوم لإنتاج القنبلة النووية. وتبعاً للصفقة فلن يتم تفكيك أي منشأة نووية إيرانية. وستواصل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم دورانها، فيما يتم فصل الآلاف الأخرى من أجهزة الطرد المركزي مؤقتاً دون تدميرها.
بما أن البرنامج النووي الإيراني سيظل إلى حد كبير على ما هو عليه، فإن الفترة الزمنية المطلوبة لتحقيق الاختراق [نحو القنبلة النووية] ستكون قصيرة للغاية حيث تعادل عاماً بناءً على التقديرات الأميركية لا بل ما هو أقل من ذلك حسب التقديرات الإسرائيلية. وإذا لم يتم وقف النشاط الذي تقوم به إيران لإنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً وسرعة فإن الفترة الزمنية اللازمة لتحقيق الاختراق الآنف الذكر سيتم اختصارها بشكل ملحوظ.
يصحّ القول إن البرنامج النووي الإيراني سيخضع لبعض القيود وأن مدى التزام إيران بهذه القيود سيخضع للمراقبة الدولية. غير أن المشكلة هي كالتالي: إن المفتشين يوثّقون الخروقات لكنهم لا يوقفونها. وكان المفتشون على اطلاع بموعد تحقيق كوريا الشمالية في حينه الاختراق نحو القنبلة [النووية] لكن الأمر لم يوقف شيئاً. وقد أقدمت كوريا الشمالية على إطفاء كاميرات [المراقبة في منشآتها النووية] وطردت المفتشين ثم حصلت على القنبلة [النووية] بعد عدة سنوات. أما الآن فيتم تحذيرنا من مغبة حيازة كوريا الشمالية بعد 5 سنوات لترسانة تحتوي على 100 قنبلة نووية.
وكانت إيران، بما يشبه حالة كوريا الشمالية، قد تحدّت المفتشين الدوليين. وقد فعلت ذلك على الأقل في ثلاث مناسبات مختلفة في كل من 2005 و 2006 و 2010. كما أن إيران، شأنها شأن كوريا الشمالية، أقدمت حينها على كسر الأقفال [المحيطة بكاميرات المراقبة في منشآتها النووية] وإطفاء الكاميرات. وأعرف تماماً أن هذا الأمر لن يأتي بثمابة صدمة لأي منكم، لكن إيران لا تكتفي بتحدّي المفتشين بل إنها تحسن أيضاً ممارسة لعبة من التمويه والخداع معهم.
وكان "كلب الحراسة" للأمم المتحدة، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد جددت أمس قولها إن إيران ما زالت ترفض الكشف عن الجانب العسكري من برنامجها النووي. كما تم ضبط إيران- ليس مرة واحدة بل مرتيْن- متلبسة بتشغيل منشأتيْن نوويتيْن سريتيْن في نتانز وقم، علماً بأن المفتشين لم يكونوا قط على اطلاع بهما. ومن غير المستبعد أن تقوم إيران في هذه اللحظة أيضاً بإخفاء منشآت سرية لا تعلم بها إسرائيل والولايات المتحدة. وكما كان الرئيس السابق لفريق التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قال عام 2013: "إذا لم توجد حالياً أي منشأة غير معلنة في إيران، فستكون هذه أول مرة منذ 20 عاماً تخلو فيها إيران من منشأة كهذه..". وبالتالي أثبت إيران مرة تلو أخرى أنها غير جديرة بالثقة. ولهذا السبب فإن التنازل الأول وشديد المغزى [المقدَّم لإيران ضمن الصفقة قيد التفاوض معها] يشكل مدعاة للقلق الكبير، إذ إن هذا التنازل يؤدي إلى خطر حقيقي من حيث استطاعة إيران الوصول إلى القنبلة النووية من خلال انتهاك الصفقة.
غير أن التنازل شديد المغزى الثاني إنما يؤدي إلى خطر أكبر، بمعنى قدرة إيران على الوصول إلى القنبلة [النووية] حتى وإنْ التزمت بالاتفاق. ذلك لأن سريان كل القيود المفروضة [ضمن الاتفاق المطروح] على البرنامج النووي الإيراني سينتهي تلقائياً بعد حوالي عقد من السنين. وقد يبدو العقد فترة زمنية طويلة في الحياة السياسية لكنه لا يعدو كونه غمضة عين في حياة الأمم أو في حياة أولادنا. ونتحمل جميعاً مسؤولية إعادة النظر فيما قد يقع عندما لا تخضع القدرات النووية الإيرانية لأي قيود وعندما تُرفع جميع العقوبات عن إيران. ستكون إيران حينها حرة في بناء القدرة النووية الهائلة التي قد تؤدي إلى إنتاج قنابل نووية كثيرة.
ويقول الزعيم الروحي لإيران ذلك صراحة. إنه يدّعي بأن إيران تخطط للوصول إلى 190 ألف جهاز طرد مركزي، أي ليس 6 آلاف جهاز أو حتى 19 ألف جهاز كما لديها الآن، بل ما يضاعف هذا العدد عشرة أضعاف أي 190 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وإذا امتلكت إيران بنية تحتية ضخمة كهذه فإنها قد تنتج الوقود المطلوب لإنتاج ترسانة نووية كاملة خلال فترة أسابيع من لحظة اتخاذها القرار بهذا الخصوص.
وكان صديقي القديم، وزير الخارجية [الأميركي] جون كيري، قد أكد الأسبوع الماضي أنه سيكون بمقدور إيران الاحتفاظ بصورة مشروعة بهذه الكمية الهائلة من أجهزة الطرد المركزي حال انتهاء مفعول الصفقة. وأرجو منكم أن تعيدوا التفكير في الأمر: إن الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب العالمي قد تكون على مسافة أسابيع عدة لا غير من حيازة كمية كافية من اليورانيوم المخصب المطلوب لإنتاج ترسانة كاملة من السلاح النووي وذلك بمقتضى الشرعية الدولية الكاملة.
ويجب القول بالمناسبة إن إيران قد تحصل على الوسائل المطلوبة لإطلاق ترسانتها النووية إلى كافة أرجاء العالم، بما في ذلك أي جزء من أراضي الولايات المتحدة، إذا لم يكن برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الخاص بإيران جزءاً من الصفقة، علماً بأن إيران ترفض حتى الآن مجرد طرح هذه القضية على طاولة المفاوضات.
أنظروا بالتالي، أيها الأصدقاء، لتجدوا أن هذه الصفقة تنطوي على تنازليْن رئيسييْن: أولاً- إنها ستبقي إيران مع برنامج نووي هائل؛ ثانياً- إنها سترفع القيود عن هذا البرنامج بعد عقد من السنين. ولهذا السبب تكون هذه الصفقة سيئة للغاية. إنها لا تعترض طريق إيران نحو القنبلة [النووية] بل إنها تمهّد طريق إيران نحو القنبلة.
ترى، لماذا يقدم كائن من كان على اعتماد صفقة كهذه؟ هل يأمل هؤلاء في حصول تغيير إيجابي في إيران خلال السنوات المقبلة أم أنهم يعتقدون بأن البديل عن الصفقة سيكون أسوأ؟ أما أنا فأخالفهم الرأي. إذ لا أعتقد بأن النظام الراديكالي الإيراني سوف يطرأ عليه أي تغيير إيجابي بعد هذه الصفقة. إن هذا النظام بات حاكماً منذ 36 عاماً ويزداد شَرَهه على ممارسة العدوان عاماً بعد عام. فلن تزيد هذه الصفقة إيران إلا المزيد من الشهية [على ممارسة هذا العدوان].
هل ستصبح إيران أقل عدواناً عندما تُرفع العقوبات عنها ويتعزز اقتصادها؟ إذا كانت إيران حالياً بصدد التهام 4 دول في الوقت الذي تخضع فيه للعقوبات فكيف سيكون عليه عدد الدول التي ستفترسها عندما تُرفع هذه العقوبات؟ هل سيتراجع التمويل الإيراني للإرهاب عندما تمتلك النقود الطائلة التي تمكّنها من تمويل المزيد من الإرهاب؟
لماذا يطرأ تغيير إيجابي على النظام الراديكالي الإيراني عندما يستمتع بكلتا الفائدتيْن أي بالعدوان الخارجي والازدهار الداخلي؟ إن الجميع في منطقتنا يطرحون هذه السؤال تحديداً. إذ تعلم جارات إسرائيل وجارات إيران بأن إيران ستصبح أكثر عدواناً وستكثف تمويلها للإرهاب عندما يتحرر اقتصادها من القيود المفروضة عليه ويصبح طريقها سالكاً نحو القنبلة [النووية]. وتقول الكثير من هذه الجارات إن رد فعلها سيتمثل بالسباق نحو امتلاك القنابل النووية بنفسها. وعليه فإن الصفقة المطروحة لن تحدث أي تغيير إيجابي في إيران بل ستحدث تغييراً سيئاً في الشرق الأوسط. فالصفقة الرامية إلى الحد من الانتشار النووي ستشعل بدلاً من ذلك سباقاً من التسلح النووي في أخطر منطقة على وجه الكرة الأرضية.
إن هذه الصفقة لن تكون "وداعاً للسلاح" [إشارة إلى رواية مشهورة وضعها الكاتب الأميركي أرنست هامينغواي الحائز على جائزة نوبل للأدب بعد الحرب العالمية الأولى] بل ستوحي بنهاية مراقبة السلاح. وسيصبح الشرق الأوسط سريعاً منطقة مزروعة بـ"أسلاك التعثر" [المسببة للانفجار حال الارتطام بها] النووية. وهكذا تتحول منطقة قد تشعل فيها الخلافات الصغيرة الحروب الكبيرة إلى برميل من البارود النووي. وإذا اعتقد شخص ما أن تؤدي هذه الصفقة إلى تأخير موعد النهاية، فدَعْه يعيد التفكير في الأمر. إذ إننا سنواجه حال وصولنا إلى هذه النهاية إيران وقد أصبحت دولة أخطر بأضعاف مضاعفة، كما سنواجه حينها الشرق الأوسط الحافل بالقنابل النووية ما يعني حالة من العدّ التنازلي نحو كابوس نووي محتمل.
سيداتي وسادتي،
لقد جئت إلى هذا المكان اليوم لأقول لكم إنه ليس من واجبنا أن نُسند أمن العالم إلى الأمل في أن تتغير إيران إيجابياً. ليس من واجبنا أن نراهن على مستقبلنا ومستقبل أولادنا. إننا نستطيع الإصرار على عدم إزالة القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني ما دامت إيران تواصل عدوانا في المنطقة والعالم.
ويتعين على العالم قبل رفع هذه العقوبات أن يطالب إيران بالقيام بثلاث خطوات: أولاً- التوقف عن ممارسة عدوانها على جاراتها في الشرق الأوسط؛ ثانياً- التوقف عن دعم الإرهاب في أنحاء العالم؛ ثالثاً- التوقف عن التهديد بإبادة دولتي، إسرائيل، الدولة اليهودية الواحدة الوحيدة.
وإذا رفضت الدول الكبرى الإصرار على أن تغير إيران نهجها قبل توقيع الصفقة معها، وجب عليها على الأقل الإصرار على أن إيران ستغير نهجها قبل انتهاء مفعول الصفقة. وإذا غيرت إيران سلوكها فسيتم رفع القيود عنها؛ أما إذا لم تغير سلوكها فلا يجوز رفع القيود. إذا أرادت إيران أن تُعامَل معاملة الدولة الطبيعية وجب عليها أن تتصرف تصرُّف الدولة الطبيعية.
أصدقائي،
ماذا بالنسبة للادّعاء القائل إنه لا يوجد أي بديل لهذه الصفقة وأنه يستحيل حذف المعلومات النووية المتراكمة لدى إيران، أي الادّعاء بأن البرنامج النووي الإيراني صار يتقدم لدرجة لا تسمح لنا- بأقصى طاقاتنا- إلا بتأخير ما أصبح أمراً محتوماً (وهو بالفعل ما تسعى الصفقة الحالية لتحقيقه)؟
فإذاً أقول إن المعلومات النووية الخالية من البنية التحتية النووية اللازمة لا تساوي كثيراً. إن سائق السباقات يعجز عن القيادة بدون سيارة، فيما يعجز الطيار عن القيام بأي رحلة بدون طائرة. لذا ستعجز إيران بغياب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي والأطنان من اليورانيوم المخصب أو منشآت الماء الثقيل عن إنتاج القنابل النووية. ويمكن إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء بما يزيد كثيراً على الطرْح الحالي وذلك من خلال الإصرار على صفقة أفضل والاستمرار في ممارسة الضغط على النظام [الإيراني] الذي بات أكثر عرضة للإصابة خاصة في ضوء الهبوط الأخير لأسعار النفط.
وإذا هددت إيران بالانسحاب من المحادثات- كما يحدث أحياناً في البازار [السوق] الفارسي- فيجب فضح أمرهم. إنهم [الإيرانيون] سوف يعودون [إلى المحادثات] كون احتياجهم للصفقة أكبر بكثير من احتياجكم. ويمكنكم من خلال الاستمرار في ممارسة الضغط على إيران وعلى أولئك المتعاملين معها أن تجعلوهم [الإيرانيين] أكثر افتقاراً للصفقة من ذي قبل.
أيها الأصدقاء،
لقد أصبح يُقال لنا منذ أكثر من عام إن عدم التوصل إلى صفقة أفضل من إنجاز صفقة سيئة. إذاً، هذه الصفقة [المطروحة حالياً] ما هي إلا صفقة سيئة لا بل سيئة للغاية. وسنكون أفضل حالاً بغيابها. أما الآن فصار يُقال لنا إن البديل الوحيد عن الصفقة السيئة هذه هو الحرب، غير أن هذا القول- بكل بساطة- غير صحيح.
إن البديل عن الصفقة السيئة هذه هو الصفقة الأفضل بكثير. إنها الصفقة الأفضل تعني عدم إبقاء إيران مع بنية نووية هائلة ومع فترة زمنية قصيرة للغاية قبل الاختراق [نحو إنتاج القنبلة النووية]. إن الصفقة الأفضل ستبقي القيود على البرنامج النووي الإيراني إلى حين توقف العدوان الإيراني. إن الصفقة الأفضل لا تقدم لإيران مساراً سهلاً نحو القنبلة. إن الصفقة الأفضل هي الصفقة التي قد لا تحبها إسرائيل وجاراتها لكنها تستطيع التعايش معها، هكذا حرفياً. ولا توجد أي دولة أكثر اهتماماً من إسرائيل بإنجاز صفقة جيدة تزيل هذا التهديد بالطرق السلمية.
سيداتي وسادتي،
إن التأريخ يضعنا أمام مفترق طرق مصيري. وأصبح لزاماً علينا الآن الاختيار ما بين مساريْن، حيث يؤدي أحدهما إلى صفقة سيئة لن توقف طموحات إيران النووية إلا لفترة زمنية معينة في أفضل الحالات لكنها ستفضي حتماً إلى إيران نووية التي سيؤدي عدوانها الجامح حتماً إلى الحرب؛ أما المسار الثاني- مهما كان شاقاً- فقد يقود إلى صفقة أفضل بأضعاف مضاعفة تحول دون نشوء إيران النووية أو الشرق الأوسط النووي وما يترتب على ذلك من انعكاسات هدامة بالنسبة للإنسانية جمعاء.
ليس من واجبكم مطالعة روبرت فروست [1874-1963، شاعر أميركي معروف حيث يشير رئيس الوزراء ضمناً إلى قصيدته الشهيرة "الطريق الذي لم يتم اختياره" الذي يصف مشهد الاختيار بين طريقيْن] لمعرفة ذلك. وإذا كنتم من أصحاب الخبرة في ممارسة حياتكم فإنكم تعلمون حقيقة أن الطريق الأصعب هو عادة ذلك الطريق الذي لم يتم سلوكه، غير أن هذا الطريق هو الذي سيحقق التغيير بالنسبة لمستقبل دولتي وأمن الشرق الأوسط والسلام العالمي الذي ننشده جميعاً.
أصدقائي، ليس من السهولة بمكان مواجهة إيران. إذ إن مواجهة أنظمة الحكم المظلمة والقاتلة ليس بالأمر الهين أبداً.
يحضر معنا اليوم الشخص الذي نجا من المحرقة النازية والحائز على جائزة نوبل إيلي فيزيل [كاتب يهودي أميركي شهير من أصل مجري]. يا إيلي، إن حياتك ونشاطك يشكلان ملهمة ويعطيان المغزى للكلمات "كفى! لن يعود الأمر ثانية!" [شعار هام لليهود بعد المحرقة يشير إلى رفضهم أن يكونوا ضحايا مرة أخرى]. ليتني استطعت أن أقدم لك الضمانات، يا إيلي، على أن عِبَر المحرقة قد تم استخلاصها. فلا يسعني إلا الإلحاح على قادة العالم بطلب عدم تكرار أخطاء الماضي، وعدم التضحية بالمستقبل من أجل الحاضر، وعدم التغاضي عن العدوان لمجرد الأمل في تحقيق السلام الواهم.
غير أنني أستطيع أن أضمن لك ما يلي: إن عصور كون الشعب اليهودي في موقف سلبي عاجز أمام الأعداء الذين يتحينون فرصة إبادته قد ولّت إلى غير رجعة. إننا لم نعُد شعباً مشتتاً بين الأمم عاجزاً عن الدفاع عن نفسه. لقد جددنا سيادتنا في وطننا القديم فيما لا تعرف بطولات الجنود الذين يدافعون عن وطننا الحدود. ولأول مرة منذ مئة جيل أصبحنا نحن- أبناء الشعب اليهودي- قادرين على حماية أنفسنا. ولهذا السبب أستطيع، بصفتي رئيساً لحكومة إسرائيل، أن أعِدك بشيء آخر: إن إسرائيل سوف تنهض للوقوف [أمام التهديد النووي الإيراني] حتى وإن اضطُرت لمواجهته بمفردها.
لكنني أعلم بأن إسرائيل لن تقف وحيدة. إذ أعلم يقيناً بأن أميركا إنما تقف إلى جانب إسرائيل. أعلم بأنكم [أعضاء الكونغرس] تقفون إلى جانب إسرائيل. إنكم تدعمون إسرائيل لأنكم تعرفون أن قصة إسرائيل ليست بمثابة قصة الشعب اليهودي وحده بل إنها قصة الروح الإنسانية التي ترفض مرة تلو أخرى الرضوخ لفظائع التأريخ.
تقابلني في هذه القاعة صورة سيدنا موسى وهي تراقبنا جميعاً. وكان موسى قد قاد شعبنا من العبودية إلى أبواب أرض الميعاد. وكان موسى قد حمّلنا، قبيل دخول شعب إسرائيل أرض إسرائيل، رسالة قوَّت عزيمتنا على مدى آلاف السنين حيث أترككم اليوم مع رسالته هذه: "لا تضعَفْ قُلوبُكُم ولا تخافوا ولا تبتَعِدوا ولا تُعرِضوا عَنهُم" [سفر التثنية، الفصل 20، الآية 3].
أيها الأصدقاء، ليت إسرائيل وأميركا ستقفان دوماً معاً قويتيْن عازمتيْن؛ ليتنا لن نهاب التحديات التي تواجهنا؛ ليتنا نواجه المستقبل بثقة وقوة وأمل. بارك الرب دولة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. شكراً جزيلاً لكم جميعاً. إنكم أناس رائعون. شكراً لكِ أميركا.
القائم بأعمال رئيس مجلس الشيوخ السيناتور أورين هاتش،
زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش مِكونيل،
زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي،
زعيم الأغلبية في مجلس النواب كيفين مِكارثي،
كما أرجو التعبير عن تقديري لزعيم [الأقلية] الديمقراطية [في مجلس الشيوخ] السيناتور هاري ريد. يا هاري، يسرّني رؤيتك وقد عُدت واقفاً على قدميْك، حيث أعتقد بأنه صدق من قال إنه لا يمكن إسقاط الرجل الطيب.
أيها الأصدقاء، إنني أشعر بتواضع إزاء هذا الاستحقاق المتمثل بإلقاء كلمة للمرة الثالثة أمام أهم مجلس تشريعي في العالم ألا وهو الكونغرس الأميركي. أرجو تقديم الشكر لكم جميعاً على حضوركم هنا اليوم. وأعلم بأن خطابي كان في صلب خلال كبير ويؤسفني شديد الأسف أن يكون هناك مَن اعتبر حضوري هنا عملاً سياسياً [حزبياً]، علماً بأنني لم أقصد ذلك قط.
أرجو تقديم الشكر لكم، الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين [في الكونغرس]، على دعمكم المشترك لإسرائيل عاماً بعد عام وعقداً تلو عقد. وأعلم بأنكم تقفون إلى جانب إسرائيل مهما كان الطرف الذي تنتمون إليه في الكونغرس.
إن التحالف الرائع بين الولايات المتحدة وإسرائيل كان دوماً يتسامى عن السياسة ويجب أن يبقى فوق السياسة دوماً، على اعتبار أن أميركا وإسرائيل تتقاسمان المصير المشترك وهو مصير أرضَيْ الميعاد اللتيْن تقدِّسان الحرية وتقدِّمان الأمل. وتدين إسرائيل بالشكر للشعب الأميركي على دعمه له وكذلك الأمر بالنسبة للرؤساء الأميركيين ابتداءً بهاري ترومان [الذي كان الرئيس الأميركي عند قيام دولة إسرائيل] وانتهاءً بباراك أوباما.
إننا نقدّر كل ما يقوم به الرئيس أوباما من أجل إسرائيل. وقد أصبح جزء من ذلك معروفاً مثل تعزيز التعاون الأمني والتبادل الاستخباري ومعارضة القرارات المناوئة لإسرائيل في الأمم المتحدة. غير أن هناك جزءاً آخر مما فعله الرئيس [أوباما] من أجل إسرائيل ويكون الناس أقل إدراكاً به. لقد اتصلت به عام 2010 عندما شبّ الحريق [الهائل] في الكرمل حيث استجاب فوراً لطلبي الحصول على مساعدات طارئة. وفي عام 2011، عندما كانت سفارتنا في القاهرة محاصَرة، قدم لنا [الرئيس أوباما] الدعم الحيوي في لحظة حرجة. وتكرر الأمر لدى معاونته لنا بإمدادنا بالصواريخ المعترِضة [للقذائف المعادية والخاصة بمنظومة "القبة الحديدية"] خلال عمليتنا في الصيف الماضي حيث واجهنا إرهابيي حماس.
وقد اتصلت في جميع هذه اللحظات بالرئيس [أوباما] الذي كان معنا. وقد يبقى بعض ما فعله الرئيس من أجل إسرائيل طي الكتمان إلى الأبد كونه يخصّ بعد القضايا الإستراتيجية الأشد حساسية العالقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي. غير أنني على علم بالأمر حيث أبقى دوماً مديناً بالشكر للرئيس أوباما على دعمه.
كما أن إسرائيل مدينة لكم بالامتنان، أيها [أعضاء] الكونغرس الأميركي، على دعمكم لنا في شتى الطرق ولا سيما على مساعداتكم العسكرية السخية ومساهمتكم في مجال الحماية من الصواريخ بما في ذلك [ما يتعلق بمنظومة] "القبة الحديدية". وكان الملايين من الإسرائيليين محميين من آلاف الصواريخ التي أطلقتها حماس خلال الصيف الأخير بفضل "قبة الكابيتول" [إشارةً إلى تلة الكابيتول في واشنطن حيث مقرّ الكونغرس الأميركي] التي أسهمت في إنشاء "القبة الحديدية" الخاصة بنا.
شكراً لكِ، يا أميركا، على ما تفعلينه من أجل إسرائيل!
أصدقائي، لقد حضرتُ إلى هنا اليوم لأنني أشعر بصفتي رئيساً لحكومة إسرائيل بالالتزام العميق بمحادثتكم عن قضية من شأنها تهديد مجرد وجود دولتي ومستقبل شعبي، ألا وهي سعي إيران نحو السلاح النووي.
إننا شعب قديم. وقد حاول الكثيرون مراراً وتكراراً على امتداد نحو 4 آلاف عام من التأريخ القضاء على الشعب اليهودي. وسنتلو مساء غد، عند الاحتفال بعيد المساخر (بوريم) سفر أستير حيث نقرأ عن نائب ملك فارس، رجل قوي يُدعى هامان، الذي خطط لإبادة الشعب اليهودي قبل حوالي 2500 عام. غير أن امرأة يهودية جريئة، الملكة أستير، كشفت هذا المخطط ومنحت الشعب اليهودي حق الدفاع عن نفسه ضد أعدائه. وتم إحباط المخطط ونجا شعبنا.
أما الآن فيواجه الشعب اليهودي محاولة أخرى لإبادته من جانب حاكم فارسي آخر. إذ يبث الزعيم الروحي لإيران آية الله خامنئي أقدم ضغينة موجودة- أي معاداة اليهود- مستخدماً أحدث التقنيات. إنه بات "يغرِّد" [قاصداً عبر موقع "تويتر" الإلكتروني الاجتماعي الشهير] أنه يجب إبادة إسرائيل. وتعرفون إن الإنترنت الحرّ لا يوجد في إيران، غير أن خامنئي "يغرّد" باللغة الإنجليزية عن واجب تدمير إسرائيل.
أما أولئك الذين يعتقدون بأن إيران تهدد بإبادة الدولة اليهودية لكنها لا تستهدف الشعب اليهودي، فأقول لهم: أنصتوا إلى حسن نصر الله زعيم حزب الله، الحركة الإرهابية الرئيسية التي ترعاها إيران، حيث قال: إذا احتشد كل اليهود في إسرائيل فإنهم سيوفّرون علينا مشقة مطاردتهم في أنحاء العالم.
غير أن النظام الإيراني لا يُعتبر مشكلة يهودية فحسب، شأنه تماماً شأن النظام النازي الذي لم يكن في حينه مشكلة يهودية فقط. إذ كان الملايين اليهود الستة الذين أبادهم النازيون جزءاً صغيراً من 60 مليوناً شخصاً كانوا قد قتِلوا إبان الحرب العالمية الثانية. وعليه فإن النظام الإيراني لا يشكل خطراً جسيماً بالنسبة لإسرائيل فحسب بل أيضاً بالنسبة للسلام في العالم أجمع.
ويجب علينا، تحرياً لدقة فهم مدى خطورة إيران حال امتلاكها السلاح النووي، أن ندرك إدراكاً كاملاً طبيعة نظامها الحاكم. إن الشعب الإيراني لهو شعب كثير المواهب. إن الإيرانيين هو ورثة إحدى أعظم حضارات العالم. غير أنهم تعرضوا عام 1979 للاختطاف من قبل أشخاص متعصبين لدينهم تحركوا فوراً لفرض نظام ديكتاتوري مظلم وعنيف عليهم. وقد قام المتشددون في ذلك العام بصياغة دستور جديد لإيران. ولم يوعِز الدستور إلى حراس الثورة بحماية حدود إيران فحسب بل أمرهم أيضاً بتولي الرسالة العقائدية للجهاد. إذ كان مؤسس هذا النظام آية الله الخميني يحثّ أتباعه على "تصدير الثورة إلى ربوع المعمورة".
ها أنني أقف هنا في واشنطن العاصمة، حيث يتبيّن الفرق شديد الوضوح. إذ إن الوثيقة الأساسية لأميركا [أي وثيقة الاستقلال الأميركية التي تم اعتمادها عام 1776] تعِد الناس بالحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة. أما الوثيقة الأساسية الخاصة بإيران فتدعو إلى الموت والاستبداد والسعي إلى الجهاد.
وفي الوقت الذي تنهار فيه الدول في ربوع الشرق الأوسط فإن إيران تتدخل لملء هذا الفراغ وتحقيق [رسالتها الأساسية] على أرض الواقع. إذ أصبح المرتزقة الإيرانيون في غزة وأذناب إيران في لبنان وحراس ثورتها في هضبة الجولان يطوّقون إسرائيل عبر ثلاثة أجنحة إرهابية. وأصبح الأسد [الرئيس السوري] يرتكب المذابح بالسوريين بدعم إيراني، فيما تعيث الميليشيات الشيعية فساداً في أنحاء العراق بدعم إيراني، ويسيطر الحوثيون على اليمن ويهددون المضيق الإستراتيجي [مضيق باب المندب] المطلّ على البحر الأحمر، الأمر الذي من شأنه- إضافة إلى مضيق هرمز [في الخليج]- أن يسمح لإيران بفرض طوق خانق آخر على خطوط إمدادات النفط للعالم. وكانت إيران قد أجرت قرب [مضيق] هرمز الأسبوع الماضي مناورات عسكرية تم خلالها محاكاة تفجير حاملة طائرات أميركية. وقد تم ذلك الأسبوع الماضي بالتزامن مع خوضهم [الإيرانيون] المحادثات النووية مع الولايات المتحدة.
ومع شديد الأسف فإن هجمات إيران على الولايات المتحدة خلال السنوات ال-36 الماضية لم تكن وهمية بأي حال من الأحوال بل كانت موجَّهة إلى أهداف حقيقية. إذ كانت إيران تحتجز عشرات الأميركيين رهائن في طهران [قاصداً فور وقوع الثورة الإسلامية عام 1979] ثم قتلت المئات من أفراد مشاة البحرية الأميركيين في بيروت [في تفجير انتحاري بشاحنة مفخخة عام 1985]، ثم كانت إيران مسؤولة عن مقتل وإصابة الآلاف من أفراد الأمن الأميركيين رجالاً ونساء في العراق وأفغانستان. وفيما يتعدى حدود الشرق الأوسط فقد اعتدت إيران على أميركا وحلفائها عبر شبكة الإرهاب العالمي التي كوَّنتها. إنها فجّرت مركز الجالية اليهودية [عام 1994] والسفارة الإسرائيلية [عام 1992] في بوينس أيرس. كما أنها ساعدت تنظيم القاعدة على قصف بعض السفارات الأميركية في إفريقيا [قاصداً الاعتداءات على السفارتيْن الأميركيتيْن في كينيا وتنزانيا عام 1998]، ناهيك عن محاولتها اغتيال السفير السعودي هنا في واشنطن العاصمة [في مخطط كان قد كشِف عنه عام 2011].
أما الشرق الأوسط فأصبحت إيران تسيطر على 4 عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وإذا لم يتم التصدي للعدوان الإيران فمن المرجح سقوط عواصم أخرى. وبالتالي، وفي الوقت الذي يتمنى فيه الكثيرون انضمام إيران إلى أسرة الشعوب، فإن إيران منشغلة في التهام بعض الدول. ويجب علينا جميعاً الوقوف معاً لوقف حملة الاحتلال والاستعباد والإرهاب التي تمارسها إيران.
وقد قيل لنا قبل عاميْن إنه يجب إعطاء الرئيس [الإيراني حسن] روحاني ووزير خارجيته [محمد جواد] ظريف فرصة لإحداث التغيير والاعتدال في إيران. يا له من تغيير واعتدال! إن حكومة روحاني تعدم مثليي الجنس شنقاً وتضطهد المسيحيين وتحبس الصحافيين وتعدم السجناء بأعداد أكبر من ذي قبل.
وكان ظريف نفسه، ذلك الرجل الذي يسحر الدبلوماسيين الغربيين، قد وضع إكليلاً من الزهور على ضريح عماد مغنية ["ضابط العمليات" الرئيسي لحزب الله اللبناني الذي اغتيل في دمشق عام 2009]. وكان عماد مغنية العقل المدبر للإرهاب الذي أراق الدماء الأميركية أكثر من أي إرهابي آخر ما عدا أسامة بن لادن. وكنت أتمنى أن يكون هناك مَن سأل ظريف عما فعله.
وما زال النظام الإيراني متشدداً كعادته، ويواصل استصراخه بـ"الموت لأميركا"، أميركا تلك التي يسمّيها "الشيطان الأكبر"، بصوت أعلى من أي وقت مضى. ولا يجوز أن يتفاجأ كائن من كان بالأمر، ذلك لأن عقيدة النظام الإيراني الثوري ذات جذور راسخة في التشدد الإسلامي، ولهذا السب سيبقى هذا النظام إلى الأبد عدواً لأميركا.
لا تنخدِعوا بالأمر. إن الصراع الدائر بين إيران وداعش [تنظيم الدولة الإسلامية السني المتشدد] لا يجعل إيران صديقة لأميركا. إن إيران وداعش تتنافسان على تاج التشدد الإسلامي. إذ يطلق أحد الطرفيْن على نفسه اسم "الجمهورية الإسلامية" فيما يسمي الآخر نفسه "الدولة الإسلامية". ويسعى كلاهما إلى فرض إمبراطورية إسلامية متشددة على المنطقة أولاً ثم على العالم بأسره. إنهما لا يختلفان إلا حول هوية الجهة التي تتولى حكم هذه الإمبراطورية.
ولا مكان لأميركا أو إسرائيل في "ألعاب العروش" القاتلة هذه [إشارة إلى المسلسل التلفزيوني الأميركي الشهير بهذا العنوان]. ولن ينعم حينها بالسلام لا المسيحيون ولا اليهود ولا المسلمون الذين لا يقبلون تلك العقيدة الإسلامية القروسطية، ولن تتمتع النساء بأي حقوق ولن ينعم أي كان بالحرية. وعليه، فكلما كان الأمر مرتبطاً سواء بإيران أو بداعش، فإن عدو عدوك ما هو إلا عدوك.
أما وجه الفرق بينهما فهو أن داعش يتسلح بسكاكين اللحّامين والأسلحة التي صادرها واليوتيوب، بينما هناك احتمال بأن تتسلح إيران عما قريب بالصواريخ الباليستية والقنابل النووية. ويجب علينا أن نذكر دوماً- وها أنني أكرر هذا الكلام مرة أخرى- أن أكبر خطر يواجه عالمنا هو هذه المزاوجة بين التشدد الإسلامي والسلاح النووي. إن هزيمة داعش مع منح إيران فرصة الحصول على السلاح النووي تعني كسب المعركة وخسارة الحرب. ولا يجوز لنا السماح بوقوع هذا الأمر.
بيْد أن هذا الأمر بعينه، أيها الأصدقاء، هو ما من شأنه أن يقع إذا قبلت إيران الصفقة قيد التفاوض. إن هذه الصفقة لن تمنع إيران من تطوير السلاح النووي، بل إنها ستضمن بالفعل حصول إيران على الكثير من هذه الأسلحة. دعوني أشرح لكم سبب الأمر: صحيح أن الصفقة النهائية لم يتم توقيعها بعد، إلا أن أجزاء معينة من أي صفقة محتملة باتت معروفة للجميع. إننا لا نحتاج إلى وكالات الاستخبارات والمعلومات السرية لكي نطّلع على ذلك. يمكن رصد التفاصيل في جوجل [محرك البحث الشهير في الإنترنت].
وإذا لم يحدث تغيير دراماتيكي فنعلم يقيناً بأن أي صفقة مع إيران ستشمل تنازليْن شديديْ المغزى سيجري تقديمهما لها. إن التنازل الأول سيبقي إيران مع بنية تحتية نووية واسعة مما يسمح لها خلال فترة زمنية قصيرة بتحقيق الاختراق المطلوب نحو القنبلة [النووية]، علماً بأن هذه الفترة تعني المدة المطلوبة لتكديس كمية كافية من اليورانيوم أو البلوتونيوم لإنتاج القنبلة النووية. وتبعاً للصفقة فلن يتم تفكيك أي منشأة نووية إيرانية. وستواصل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم دورانها، فيما يتم فصل الآلاف الأخرى من أجهزة الطرد المركزي مؤقتاً دون تدميرها.
بما أن البرنامج النووي الإيراني سيظل إلى حد كبير على ما هو عليه، فإن الفترة الزمنية المطلوبة لتحقيق الاختراق [نحو القنبلة النووية] ستكون قصيرة للغاية حيث تعادل عاماً بناءً على التقديرات الأميركية لا بل ما هو أقل من ذلك حسب التقديرات الإسرائيلية. وإذا لم يتم وقف النشاط الذي تقوم به إيران لإنتاج أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً وسرعة فإن الفترة الزمنية اللازمة لتحقيق الاختراق الآنف الذكر سيتم اختصارها بشكل ملحوظ.
يصحّ القول إن البرنامج النووي الإيراني سيخضع لبعض القيود وأن مدى التزام إيران بهذه القيود سيخضع للمراقبة الدولية. غير أن المشكلة هي كالتالي: إن المفتشين يوثّقون الخروقات لكنهم لا يوقفونها. وكان المفتشون على اطلاع بموعد تحقيق كوريا الشمالية في حينه الاختراق نحو القنبلة [النووية] لكن الأمر لم يوقف شيئاً. وقد أقدمت كوريا الشمالية على إطفاء كاميرات [المراقبة في منشآتها النووية] وطردت المفتشين ثم حصلت على القنبلة [النووية] بعد عدة سنوات. أما الآن فيتم تحذيرنا من مغبة حيازة كوريا الشمالية بعد 5 سنوات لترسانة تحتوي على 100 قنبلة نووية.
وكانت إيران، بما يشبه حالة كوريا الشمالية، قد تحدّت المفتشين الدوليين. وقد فعلت ذلك على الأقل في ثلاث مناسبات مختلفة في كل من 2005 و 2006 و 2010. كما أن إيران، شأنها شأن كوريا الشمالية، أقدمت حينها على كسر الأقفال [المحيطة بكاميرات المراقبة في منشآتها النووية] وإطفاء الكاميرات. وأعرف تماماً أن هذا الأمر لن يأتي بثمابة صدمة لأي منكم، لكن إيران لا تكتفي بتحدّي المفتشين بل إنها تحسن أيضاً ممارسة لعبة من التمويه والخداع معهم.
وكان "كلب الحراسة" للأمم المتحدة، الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد جددت أمس قولها إن إيران ما زالت ترفض الكشف عن الجانب العسكري من برنامجها النووي. كما تم ضبط إيران- ليس مرة واحدة بل مرتيْن- متلبسة بتشغيل منشأتيْن نوويتيْن سريتيْن في نتانز وقم، علماً بأن المفتشين لم يكونوا قط على اطلاع بهما. ومن غير المستبعد أن تقوم إيران في هذه اللحظة أيضاً بإخفاء منشآت سرية لا تعلم بها إسرائيل والولايات المتحدة. وكما كان الرئيس السابق لفريق التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قال عام 2013: "إذا لم توجد حالياً أي منشأة غير معلنة في إيران، فستكون هذه أول مرة منذ 20 عاماً تخلو فيها إيران من منشأة كهذه..". وبالتالي أثبت إيران مرة تلو أخرى أنها غير جديرة بالثقة. ولهذا السبب فإن التنازل الأول وشديد المغزى [المقدَّم لإيران ضمن الصفقة قيد التفاوض معها] يشكل مدعاة للقلق الكبير، إذ إن هذا التنازل يؤدي إلى خطر حقيقي من حيث استطاعة إيران الوصول إلى القنبلة النووية من خلال انتهاك الصفقة.
غير أن التنازل شديد المغزى الثاني إنما يؤدي إلى خطر أكبر، بمعنى قدرة إيران على الوصول إلى القنبلة [النووية] حتى وإنْ التزمت بالاتفاق. ذلك لأن سريان كل القيود المفروضة [ضمن الاتفاق المطروح] على البرنامج النووي الإيراني سينتهي تلقائياً بعد حوالي عقد من السنين. وقد يبدو العقد فترة زمنية طويلة في الحياة السياسية لكنه لا يعدو كونه غمضة عين في حياة الأمم أو في حياة أولادنا. ونتحمل جميعاً مسؤولية إعادة النظر فيما قد يقع عندما لا تخضع القدرات النووية الإيرانية لأي قيود وعندما تُرفع جميع العقوبات عن إيران. ستكون إيران حينها حرة في بناء القدرة النووية الهائلة التي قد تؤدي إلى إنتاج قنابل نووية كثيرة.
ويقول الزعيم الروحي لإيران ذلك صراحة. إنه يدّعي بأن إيران تخطط للوصول إلى 190 ألف جهاز طرد مركزي، أي ليس 6 آلاف جهاز أو حتى 19 ألف جهاز كما لديها الآن، بل ما يضاعف هذا العدد عشرة أضعاف أي 190 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وإذا امتلكت إيران بنية تحتية ضخمة كهذه فإنها قد تنتج الوقود المطلوب لإنتاج ترسانة نووية كاملة خلال فترة أسابيع من لحظة اتخاذها القرار بهذا الخصوص.
وكان صديقي القديم، وزير الخارجية [الأميركي] جون كيري، قد أكد الأسبوع الماضي أنه سيكون بمقدور إيران الاحتفاظ بصورة مشروعة بهذه الكمية الهائلة من أجهزة الطرد المركزي حال انتهاء مفعول الصفقة. وأرجو منكم أن تعيدوا التفكير في الأمر: إن الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب العالمي قد تكون على مسافة أسابيع عدة لا غير من حيازة كمية كافية من اليورانيوم المخصب المطلوب لإنتاج ترسانة كاملة من السلاح النووي وذلك بمقتضى الشرعية الدولية الكاملة.
ويجب القول بالمناسبة إن إيران قد تحصل على الوسائل المطلوبة لإطلاق ترسانتها النووية إلى كافة أرجاء العالم، بما في ذلك أي جزء من أراضي الولايات المتحدة، إذا لم يكن برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الخاص بإيران جزءاً من الصفقة، علماً بأن إيران ترفض حتى الآن مجرد طرح هذه القضية على طاولة المفاوضات.
أنظروا بالتالي، أيها الأصدقاء، لتجدوا أن هذه الصفقة تنطوي على تنازليْن رئيسييْن: أولاً- إنها ستبقي إيران مع برنامج نووي هائل؛ ثانياً- إنها سترفع القيود عن هذا البرنامج بعد عقد من السنين. ولهذا السبب تكون هذه الصفقة سيئة للغاية. إنها لا تعترض طريق إيران نحو القنبلة [النووية] بل إنها تمهّد طريق إيران نحو القنبلة.
ترى، لماذا يقدم كائن من كان على اعتماد صفقة كهذه؟ هل يأمل هؤلاء في حصول تغيير إيجابي في إيران خلال السنوات المقبلة أم أنهم يعتقدون بأن البديل عن الصفقة سيكون أسوأ؟ أما أنا فأخالفهم الرأي. إذ لا أعتقد بأن النظام الراديكالي الإيراني سوف يطرأ عليه أي تغيير إيجابي بعد هذه الصفقة. إن هذا النظام بات حاكماً منذ 36 عاماً ويزداد شَرَهه على ممارسة العدوان عاماً بعد عام. فلن تزيد هذه الصفقة إيران إلا المزيد من الشهية [على ممارسة هذا العدوان].
هل ستصبح إيران أقل عدواناً عندما تُرفع العقوبات عنها ويتعزز اقتصادها؟ إذا كانت إيران حالياً بصدد التهام 4 دول في الوقت الذي تخضع فيه للعقوبات فكيف سيكون عليه عدد الدول التي ستفترسها عندما تُرفع هذه العقوبات؟ هل سيتراجع التمويل الإيراني للإرهاب عندما تمتلك النقود الطائلة التي تمكّنها من تمويل المزيد من الإرهاب؟
لماذا يطرأ تغيير إيجابي على النظام الراديكالي الإيراني عندما يستمتع بكلتا الفائدتيْن أي بالعدوان الخارجي والازدهار الداخلي؟ إن الجميع في منطقتنا يطرحون هذه السؤال تحديداً. إذ تعلم جارات إسرائيل وجارات إيران بأن إيران ستصبح أكثر عدواناً وستكثف تمويلها للإرهاب عندما يتحرر اقتصادها من القيود المفروضة عليه ويصبح طريقها سالكاً نحو القنبلة [النووية]. وتقول الكثير من هذه الجارات إن رد فعلها سيتمثل بالسباق نحو امتلاك القنابل النووية بنفسها. وعليه فإن الصفقة المطروحة لن تحدث أي تغيير إيجابي في إيران بل ستحدث تغييراً سيئاً في الشرق الأوسط. فالصفقة الرامية إلى الحد من الانتشار النووي ستشعل بدلاً من ذلك سباقاً من التسلح النووي في أخطر منطقة على وجه الكرة الأرضية.
إن هذه الصفقة لن تكون "وداعاً للسلاح" [إشارة إلى رواية مشهورة وضعها الكاتب الأميركي أرنست هامينغواي الحائز على جائزة نوبل للأدب بعد الحرب العالمية الأولى] بل ستوحي بنهاية مراقبة السلاح. وسيصبح الشرق الأوسط سريعاً منطقة مزروعة بـ"أسلاك التعثر" [المسببة للانفجار حال الارتطام بها] النووية. وهكذا تتحول منطقة قد تشعل فيها الخلافات الصغيرة الحروب الكبيرة إلى برميل من البارود النووي. وإذا اعتقد شخص ما أن تؤدي هذه الصفقة إلى تأخير موعد النهاية، فدَعْه يعيد التفكير في الأمر. إذ إننا سنواجه حال وصولنا إلى هذه النهاية إيران وقد أصبحت دولة أخطر بأضعاف مضاعفة، كما سنواجه حينها الشرق الأوسط الحافل بالقنابل النووية ما يعني حالة من العدّ التنازلي نحو كابوس نووي محتمل.
سيداتي وسادتي،
لقد جئت إلى هذا المكان اليوم لأقول لكم إنه ليس من واجبنا أن نُسند أمن العالم إلى الأمل في أن تتغير إيران إيجابياً. ليس من واجبنا أن نراهن على مستقبلنا ومستقبل أولادنا. إننا نستطيع الإصرار على عدم إزالة القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني ما دامت إيران تواصل عدوانا في المنطقة والعالم.
ويتعين على العالم قبل رفع هذه العقوبات أن يطالب إيران بالقيام بثلاث خطوات: أولاً- التوقف عن ممارسة عدوانها على جاراتها في الشرق الأوسط؛ ثانياً- التوقف عن دعم الإرهاب في أنحاء العالم؛ ثالثاً- التوقف عن التهديد بإبادة دولتي، إسرائيل، الدولة اليهودية الواحدة الوحيدة.
وإذا رفضت الدول الكبرى الإصرار على أن تغير إيران نهجها قبل توقيع الصفقة معها، وجب عليها على الأقل الإصرار على أن إيران ستغير نهجها قبل انتهاء مفعول الصفقة. وإذا غيرت إيران سلوكها فسيتم رفع القيود عنها؛ أما إذا لم تغير سلوكها فلا يجوز رفع القيود. إذا أرادت إيران أن تُعامَل معاملة الدولة الطبيعية وجب عليها أن تتصرف تصرُّف الدولة الطبيعية.
أصدقائي،
ماذا بالنسبة للادّعاء القائل إنه لا يوجد أي بديل لهذه الصفقة وأنه يستحيل حذف المعلومات النووية المتراكمة لدى إيران، أي الادّعاء بأن البرنامج النووي الإيراني صار يتقدم لدرجة لا تسمح لنا- بأقصى طاقاتنا- إلا بتأخير ما أصبح أمراً محتوماً (وهو بالفعل ما تسعى الصفقة الحالية لتحقيقه)؟
فإذاً أقول إن المعلومات النووية الخالية من البنية التحتية النووية اللازمة لا تساوي كثيراً. إن سائق السباقات يعجز عن القيادة بدون سيارة، فيما يعجز الطيار عن القيام بأي رحلة بدون طائرة. لذا ستعجز إيران بغياب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي والأطنان من اليورانيوم المخصب أو منشآت الماء الثقيل عن إنتاج القنابل النووية. ويمكن إعادة البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء بما يزيد كثيراً على الطرْح الحالي وذلك من خلال الإصرار على صفقة أفضل والاستمرار في ممارسة الضغط على النظام [الإيراني] الذي بات أكثر عرضة للإصابة خاصة في ضوء الهبوط الأخير لأسعار النفط.
وإذا هددت إيران بالانسحاب من المحادثات- كما يحدث أحياناً في البازار [السوق] الفارسي- فيجب فضح أمرهم. إنهم [الإيرانيون] سوف يعودون [إلى المحادثات] كون احتياجهم للصفقة أكبر بكثير من احتياجكم. ويمكنكم من خلال الاستمرار في ممارسة الضغط على إيران وعلى أولئك المتعاملين معها أن تجعلوهم [الإيرانيين] أكثر افتقاراً للصفقة من ذي قبل.
أيها الأصدقاء،
لقد أصبح يُقال لنا منذ أكثر من عام إن عدم التوصل إلى صفقة أفضل من إنجاز صفقة سيئة. إذاً، هذه الصفقة [المطروحة حالياً] ما هي إلا صفقة سيئة لا بل سيئة للغاية. وسنكون أفضل حالاً بغيابها. أما الآن فصار يُقال لنا إن البديل الوحيد عن الصفقة السيئة هذه هو الحرب، غير أن هذا القول- بكل بساطة- غير صحيح.
إن البديل عن الصفقة السيئة هذه هو الصفقة الأفضل بكثير. إنها الصفقة الأفضل تعني عدم إبقاء إيران مع بنية نووية هائلة ومع فترة زمنية قصيرة للغاية قبل الاختراق [نحو إنتاج القنبلة النووية]. إن الصفقة الأفضل ستبقي القيود على البرنامج النووي الإيراني إلى حين توقف العدوان الإيراني. إن الصفقة الأفضل لا تقدم لإيران مساراً سهلاً نحو القنبلة. إن الصفقة الأفضل هي الصفقة التي قد لا تحبها إسرائيل وجاراتها لكنها تستطيع التعايش معها، هكذا حرفياً. ولا توجد أي دولة أكثر اهتماماً من إسرائيل بإنجاز صفقة جيدة تزيل هذا التهديد بالطرق السلمية.
سيداتي وسادتي،
إن التأريخ يضعنا أمام مفترق طرق مصيري. وأصبح لزاماً علينا الآن الاختيار ما بين مساريْن، حيث يؤدي أحدهما إلى صفقة سيئة لن توقف طموحات إيران النووية إلا لفترة زمنية معينة في أفضل الحالات لكنها ستفضي حتماً إلى إيران نووية التي سيؤدي عدوانها الجامح حتماً إلى الحرب؛ أما المسار الثاني- مهما كان شاقاً- فقد يقود إلى صفقة أفضل بأضعاف مضاعفة تحول دون نشوء إيران النووية أو الشرق الأوسط النووي وما يترتب على ذلك من انعكاسات هدامة بالنسبة للإنسانية جمعاء.
ليس من واجبكم مطالعة روبرت فروست [1874-1963، شاعر أميركي معروف حيث يشير رئيس الوزراء ضمناً إلى قصيدته الشهيرة "الطريق الذي لم يتم اختياره" الذي يصف مشهد الاختيار بين طريقيْن] لمعرفة ذلك. وإذا كنتم من أصحاب الخبرة في ممارسة حياتكم فإنكم تعلمون حقيقة أن الطريق الأصعب هو عادة ذلك الطريق الذي لم يتم سلوكه، غير أن هذا الطريق هو الذي سيحقق التغيير بالنسبة لمستقبل دولتي وأمن الشرق الأوسط والسلام العالمي الذي ننشده جميعاً.
أصدقائي، ليس من السهولة بمكان مواجهة إيران. إذ إن مواجهة أنظمة الحكم المظلمة والقاتلة ليس بالأمر الهين أبداً.
يحضر معنا اليوم الشخص الذي نجا من المحرقة النازية والحائز على جائزة نوبل إيلي فيزيل [كاتب يهودي أميركي شهير من أصل مجري]. يا إيلي، إن حياتك ونشاطك يشكلان ملهمة ويعطيان المغزى للكلمات "كفى! لن يعود الأمر ثانية!" [شعار هام لليهود بعد المحرقة يشير إلى رفضهم أن يكونوا ضحايا مرة أخرى]. ليتني استطعت أن أقدم لك الضمانات، يا إيلي، على أن عِبَر المحرقة قد تم استخلاصها. فلا يسعني إلا الإلحاح على قادة العالم بطلب عدم تكرار أخطاء الماضي، وعدم التضحية بالمستقبل من أجل الحاضر، وعدم التغاضي عن العدوان لمجرد الأمل في تحقيق السلام الواهم.
غير أنني أستطيع أن أضمن لك ما يلي: إن عصور كون الشعب اليهودي في موقف سلبي عاجز أمام الأعداء الذين يتحينون فرصة إبادته قد ولّت إلى غير رجعة. إننا لم نعُد شعباً مشتتاً بين الأمم عاجزاً عن الدفاع عن نفسه. لقد جددنا سيادتنا في وطننا القديم فيما لا تعرف بطولات الجنود الذين يدافعون عن وطننا الحدود. ولأول مرة منذ مئة جيل أصبحنا نحن- أبناء الشعب اليهودي- قادرين على حماية أنفسنا. ولهذا السبب أستطيع، بصفتي رئيساً لحكومة إسرائيل، أن أعِدك بشيء آخر: إن إسرائيل سوف تنهض للوقوف [أمام التهديد النووي الإيراني] حتى وإن اضطُرت لمواجهته بمفردها.
لكنني أعلم بأن إسرائيل لن تقف وحيدة. إذ أعلم يقيناً بأن أميركا إنما تقف إلى جانب إسرائيل. أعلم بأنكم [أعضاء الكونغرس] تقفون إلى جانب إسرائيل. إنكم تدعمون إسرائيل لأنكم تعرفون أن قصة إسرائيل ليست بمثابة قصة الشعب اليهودي وحده بل إنها قصة الروح الإنسانية التي ترفض مرة تلو أخرى الرضوخ لفظائع التأريخ.
تقابلني في هذه القاعة صورة سيدنا موسى وهي تراقبنا جميعاً. وكان موسى قد قاد شعبنا من العبودية إلى أبواب أرض الميعاد. وكان موسى قد حمّلنا، قبيل دخول شعب إسرائيل أرض إسرائيل، رسالة قوَّت عزيمتنا على مدى آلاف السنين حيث أترككم اليوم مع رسالته هذه: "لا تضعَفْ قُلوبُكُم ولا تخافوا ولا تبتَعِدوا ولا تُعرِضوا عَنهُم" [سفر التثنية، الفصل 20، الآية 3].
أيها الأصدقاء، ليت إسرائيل وأميركا ستقفان دوماً معاً قويتيْن عازمتيْن؛ ليتنا لن نهاب التحديات التي تواجهنا؛ ليتنا نواجه المستقبل بثقة وقوة وأمل. بارك الرب دولة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. شكراً جزيلاً لكم جميعاً. إنكم أناس رائعون. شكراً لكِ أميركا.