كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في جلسة عُقدت في الكنيست إحياءً لذكرى مرور 40 عام على زيارة الرئيس السادات لإسرائيل

لقد التقيت للتو بالسفير المصري في إسرائيل، حازم خيرت وفريقه، حيث بعث لي بالتهاني من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكذلك من وزير الخارجية شكري، فهنيته بالمقابل بمناسبة هذا الحدث الهام. إن السلام بين إسرائيل ومصر ثابت. إنه عبارة عن سلام استراتيجي يصب في مصلحة كلا الدولتين. ومع ذلك، يؤسفني مشاهدة هذا العدد القليل من الوزراء وأعضاء الكنيست الحاضرين في مثل هذا الحدث البالغ الأهمية. وسيتوجب علينا تصحيح هذا الانطباع في عيد اليوبيل الذي سيقام إحياءً لمرور خمسين عاماً على تلك الزيارة ولكني أعتقد بأنه سيتسنى القيام بذلك قبل حلوله.

وتعود قلة الحضور تلك ربما لحقيقة أننا تعودنا على ذلك السلام بسرعة أكثر من اللازم. فأصبح ذلك السلام أمراً روتينياً لدينا وأمراً بديهياً، ولكنه ليس بالبديهي. إنني أتذكر ذلك الشعور بالانفعال الشديد الذي انتابني وجميع مواطني إسرائيل والعديد من الناس حول العالم. إن وصول السادات وهبوطه في إسرائيل ثم مجيئه للكنيست أثار لديّ مثل ذلك الانفعال الذي انتابني لما شاهدت أول إنسان يهبط على القمر. فقد تميّز ذلك الحدث بتحقيق انفراج والقيام بشيء غير عادي والنظرة للمستقبل.

ففي تلك الدقائق الـ 40 التي قطعت خلالها طائرته المسافة بين مصر وإسرائيل إنه قد غير التاريخ. وذلك أقصر بكثير من ترحال شعبنا الذي استمر مدة 40 عاماً في صحراء سيناء ولكنه ليس أقل دراماتيكياً. فتلك الأمتان العريقتان اللتان تقاطع مشواريهما منذ القدم، وتلك الأمتان الجارتان اللتان خاضتا حرباً ضروساً عبر الأجيال قد تركتا وراءهما رواسب الكراهية ومدتا يد السلام لبعضهما البعض.

إن زيارة السادات كانت بمثابة انفراج في تاريخ الشرق الأوسط فسمحت بإقامة خط تواصل مباشر بين الوطن العربي ودولة اليهود وأدت إلى تحقيق مصالحة تاريخية وأولى من نوعها. ويبرهن الزمان على أن هذا السلام يشكل مرساة متينة وسط منطقتنا الهائجة والنازفة. ومع أنه ليس بالسلام المثالي في حقيقة الأمر إنه بالتأكيد سلام مفيد ونافع. إنه مفيد بالنسبة لكلا الدولتين وليس لنا فحسب، ورغم الأزمات والقلاقل التي مر بها على الطريق إنه سلام مستدام.

ولكن هناك شرط أساسي لقيام السلام كان وسيكون وارداً دائماً ألا هو قوة إسرائيل. ففي الشرق الأوسط تُصنع التحالفات مع القوي وليس مع الضعيف. فماذا قاله السادات حينما جاء لهنا؟ إنه قال "جئت لأصنع سلاماً مع زعيم قوي" – هكذا قال. فتشكلت لدى السادات أيضاً تلك القناعة أن إسرائيل دولة تملك القوة الهائلة فمنذ حرب الاستقلال كان جيش الدفاع يتصدى بعزيمة لكل هجمة بما فيها الهجمات المباغتة فحافظ على أمن دولة إسرائيل.

إن أهمية الستار الحديدي قد ثبتت المرة تلو الأخرى حيث أنه تمثل ليس بالحفاظ على بقائنا فحسب وإنما بوضع أسس السلام مع جيراننا أيضاً. ففقط عندما تكون إسرائيل قوية، يكون بإمكانها بلوغ مرحلة التوقف عن الاقتتال ثم العبور إلى مرحلة السلام أي السلام الذي يؤدي إلى الاعتراف بدولة إسرائيل ويمنع إراقة الدماء مستقبلاً. فعبّر ميناحيم بيغين عن هذه الفكرة بعدة جمل حينما قال: "ليس المزيد من الحرب، ليس المزيد من إراقة الدماء". ولكننا نريد أن نرتقي بذلك إلى طور السلام.

وقال أنور السادات حينما وقف فوق هذا المنبر هنا في تلك المناسبة التي أثارت انفعالنا الشديد: "لقد أعلنت أكثر من مرة عن كون إسرائيل حقيقة قائمة" بمعنى أنه يأتي أولاً الاعتراف بحقيقة الوجود، ثم يأتي انطلاقاً منها الاعتراف بالحق في الوجود. لذا يتوجب علينا أن نملك دائماً ما يكفي من القوة لكيلا يساور أحد أي شك في دوام وجودنا.

إنه الخط الذي انتهجه السادات بخلاف جيراننا الفلسطينيين الذين ما زالوا يأبون الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وأقول بأسف شديد إنني لم ألاقِ بعدُ ذلك السادات الفلسطيني الذي سيعلن عن رغبته في وضع حد للنزاع ويعترف بالدولة... إنني أعلم ما تفكرون به. لم ألاقِ بعدُ ذلك السادات الفلسطيني الذي سيعلن عن رغبته في وضع حد للنزاع ويعترف بدولة إسرائيلية ذات حدود معيّنة ويؤيد حقنا في العيش بأمان وسلام.

إن اليوم وبعد زيارة السادات للبلاد بأربعة عقود تدرك أجزاء واسعة من الوطن العربي جيداً ليس الذي حدث هنا قبل أربعين عاماً فحسب وإنما يدركون جيداً الذي يمكن إحداثه هنا بفضل التحولات المستجدة في المنطقة. إن العديد من الدول تدرك أن التهديد على الشرق الأوسط لا يصدر عن إسرائيل فالعكس هو الصحيح باعتبار إسرائيل العنصر المعتدل والمسؤول وكذلك الحازم الذي يحارب إلى جنبها ذلك التهديد. إن التهديد الأكبر على المنطقة ينبع من الإسلام المتطرف والعنيف الذي تقوده إيران من ناحية وداعش من ناحية أخرى، وهو ذلك الإسلام المتطرف الذي يدعس بوحشية كل ما يعترض طريقه.

إن الرئيس السادات نفسه قد وقع ضحية لذلك التعصب الإسلامي وقد أصاب اغتياله في القاهرة قبل 36 عاماً العالم بدهشة. ومع ذلك، فإن السلام يبقى قائماً وثابتاً. إن السلام مع مصر شهد التقلبات ولكنه اجتاز كل المطبات في فترة حكم الرئيس مبارك وبعدها.

ففي السنوات القليلة الماضية شهدت علاقاتنا مع مصر تحت قيادة الرئيس المصري السيسي وشهد ذلك السلام عنفواناً حيث أننا نقيم قنوات التواصل المفتوحة والحيوية لأمن إسرائيل ولأمن مصر. وقد عززت زيارتي الأخيرة لنيو يورك التي التقيت خلالها بالرئيس المصري من تلك العلاقات إلى حد كبير. إننا ملتزمون بتوسيع دائرة السلام لتشمل دولاً أخرى فضلاً عن جيراننا الفلسطينيين وأعلم أن الرئيس ترامب وفريقه ملتزمون بهذا الهدف أيضاً.

إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي والذي تعرض خلال سنوات طويلة لغسل دماغ تمثل بعرض صورة خاطئة ومنحازة لدولة إسرائيل. فحتى بعد مرور العشرات من السنوات وعلى غرار الطبقات الجيولوجية يصعب جداً التحرر من تلك الصورة وعرض إسرائيل على حقيقتها وبوجهها الجميل والحقيقي الذي ينعكس من خلال المساعدات التي نقدمها في هذه المنطقة بالذات وكذلك في إفريقيا وآسيا وفي وفود الإنقاذ والتكنولوجيا والمعونة للجرحى من سوريا والآلاف والآلاف.

إن اختراق تلك الطبقات الجيولوجية حتى بلوغ صخرة الحقيقة صعب جداً فلذا يظل السلام بارداً. وهنا أقول – إن السلام البارد أفضل من الحرب الساخنة، ولكن السلام الحار أفضل من السلام البارد – وكلنا نريد ذلك. وبالتالي يجب تغيير ذلك التصور الإسرائيلي فبدون التغيير سيصعب جداً اختراف تلك الحلقة المفرغة كما يجب على الفلسطينيين تغيير تصورهم فتروج لديهم تلك الدعاية التي لا نهاية لها وليس في يهودا وسامرا ولدى السلطة الفلسطينية فقط وإنما في غزة أيضاً، وبصورة مستمرة. إنها الدعاية التي لا حد لها. فتجد نفسك تقول: "كيف يمكن أنهم لا يعرفون الحقيقة؟ فهم يعيشون هنا". إن سمك غطاء الدعاية وكونه مستحكماً لهذه الدرجة وكون تلك الطبقات والرواسب من الكذب قوية يحول دون تحقيق الانفراجة. وذلك ما يجب تغييره.

إنني أشاهد التغيرات وبوادر هذا التعيير في الرأي العام ولا أتكلم عن الزعماء في الوطن العربي. إننا نشاهد بعض التغيرات التي تطرأ على الرأي العام في الشرق الأوسط وأعتقد بأن ذلك أمر يجب دعمه ومواصلته على الأرض ففي نهاية المطاف إنه الأمر الذي سيعكس على الداخل. وحينما أتكلم عن السلام الذي يمر من الخارج باتجاه الداخل فلا أقصد المواضيع أو حتى القدرة على اغتنام علاقاتنا الحالية مع الدول العربية بغرض اختراق الحاجز الفلسطيني وإنما أقصد الوعي وإشاعة الوعي عن كون إسرائيل مختلفة وضرورة تعديل وتكييف الرواية أي الرواية الفلسطينية كما يطلقون عليها للصحة. والنظر بطريقة مغايرة وبعين موضوعية وواقعية إلى إسرائيل الحقيقية.

إنني أود أن يتم تكييف السلام مع مصر مع هذه الحقيقة وتوسيع الاتصالات والتماس الحي بين الشعبين في المجال الاقتصادي والثقافي والسياحي وأن يتم اختراق ذلك السور أي سور الدعاية التاريخية وآمل أننا تخطو خطانا الأولى في هذه العملية. وحسب ما نقيسه على الأقل نرى أنها تتكوّن في بعض المناطق في المنطقة. وبطبيعة الحال إننا لا نملك السيطرة على كل شيء من تلك الأشياء فالتغيير، إذا حدث فعلاً، من المتوقع له أن يستغرق وقتاً طويلاً ولكن لا يساورني ولو أدنى شك أننا نشهد فرصة سانحة وظروفاً مواتية لتوسيع رقعة التعاون والقضاء على الأفكار النمطية.

إن السلام مهم لإسرائيل والسلام مهم للفلسطينيين والسلام مهم للشعوب العربية ومهم لمصر بالتأكيد. وقد علّمتنا زيارة أنور السادات لهذه البلاد قبل 40 عاماً أنه في منطقتنا يمكن لما كان يعتبر في الماضي غير معقول أن يصبح معقولاً. وهذا ما يدفعني إلى الإيمان حقاً بكون ذلك الحدث الكبير ليس مجرد حدث عابر وإنما حجر الزاوية في بنيان السلام في الشرق الأوسط في هذا الجيل وفي الأجيال القادمة.

ومن باب إيلاء تلك الزيارة الاحترام الذي تستحقه أطلب منك، سيادة رئيس الكنيست، تحديد جلسة خاصة لإحياء ذكرى مرور 41 عاماً على وصول أنور السادات إلى دولة إسرائيل والكنيست. فهي تستحق ذلك بقدر ما نستحق نحن ذلك.