كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في مقرّ الكنيست بمناسبة إحياء ذكرى ميلاد هرتصل وافتتاح الدورة الصيفية للكنيست

لقد انتصرت الصهيونية. إن دولة إسرائيل التي كان هرتصل [1860-1904، مؤسس الحركة الصهيونية] يتمنى إقامتها والتي رسم الخطوط العريضة لصورتها، هي قصة نجاح عالمية. وتُعتبر نهضة شعبنا معجزة، لتشبه تماماً صورة هرتصل نفسه كون أبناء جيله يعتبرونه معجزة لأنه كان بمثابة نبي بدون مملكة، رجل دولة بدون دولة، وكان يضيئ كالصاعقة السماء المظلمة للوجود اليهودي في الشتات.

 

وكان هرتصل يعمل في بيئة معادية، وقد استوعب خطر معاداة السامية بصورة لم يسبقه إليها أي شخص آخر. وقد أشار هرتصل مرات عديدة إلى الكارثة (وفق تسميته) التي ستحيق باليهود إذا لم يعيدوا إقامة دولتهم. وكتب هرتصل الكلمات الآتية عن هذه الكارثة: "لا يمكنني استشراف مظاهر وصور القضية، هل ستأتي على شكل مصادرة [الحقوق] بفعل قوة الثورة المنبثقة من الأسفل؟ أم هل ستأتي على شكل مقاطعة بفعل قوة الرجعية من الأعلى.."، وكان يتساءل بالتالي عما إذا كانت معاداة اليهود ستأتي من الجماهير أم من الحكام، ثم تابع قائلاً: "هل سيُبعدوننا؟ هل سيقتلوننا؟". وعليه فقد تكهن هرتصل بدقة متناهية (لا يمكن وصف الأمر بكلمة أخرى) بمشروع إبادة يهود أوروبا قبل وقوعه بعقود.

 

ويجب عليّ القول هنا، وأتحدث يقيناً باسم جميعنا، إنه يؤسفنا أن يكون هرتصل قد تُوفي في موعد سابق لأوانه فيما نشأت الدولة في موعد متأخر. تصوَّروا مدى القوة الزائدة التي كانت الصهيونية ستحصل عليها لو كان الملايين الستة [عدد يهود أوروبا الذين تمت إبادتهم إبان المحرقة النازية] معنا في فترة إقامة الدولة، ولو كان الملايين من أبنائهم وأحفادهم معنا الآن. وكان هرتصل يدرك الأهمية الملحّة لقيام دولة اليهود، حيث كان يتحدث عن الدولة التي تستظلّ بالجيش القوي. ومن واجب القيادة المسؤولة رصد المخاطر في موعدها والتحذير منها والتأهب إليها. ولم تسعف هرتصل حياته القصيرة ليشهد على إقامة الدولة، لكنه حوَّلنا، أم بالأحرى حوَّل الصهيونية، إلى قوة سياسية يجب مراعاتها بعين الاعتبار.

 

وقد التقى هرتصل الحكام الأقوياء لكنه كان دائماً مرفوع القامة وصاحب إيمان راسخ بعدالة طريقنا، كما أنه لم يسمح لنفسه ولو مرة واحدة بأن يخضع لحالة من جلد الذات أو أن ينزلق إليها، علماً بأننا نستطيع أن نتعلم منه هذا الموقف أيضاً. وكان هرتصل يسعى لإرساء الشراكة القائمة على المصالح مع قادة الدول العظمى بصورة تسمح لليهود بالخروج من بلدانهم إلى وطن قومي خاص بهم. وقد نفض هرتصل منا غبار عصور الغُربة وغرس فينا الإيمان بقوتنا وزرع فينا الفخر القومي. وحثّنا هرتصل على أخذ مصيرنا بأيدينا وعلى عدم اعتبار أنفسنا فئات مشتَّتة بل شعباً واحداً. وقد وضع هرتصل بالتالي الأسس، وها نحن نبني دولة إسرائيل طابقاً تلو الآخر.

 

إنني أسائل نفسي، كما يفعل بالطبع الكثير منكم، عما كان هرتصل سيقوله لو كان يشهد حركة الإعمار الهائلة وشق الطرق ونمو الاقتصاد واستيعاب الهجرة وتجديدات العلوم والتقنيات، وأيضاً لو كان يشهد حقيقة اكتشاف دولة اليهود الآن الغاز في البحر وإقدامها على استخراجه من هناك بما يخدم رفاهية كافة مواطنيها.

 

إننا نقوم، سيراً على طريق هرتصل، بتوسيع رقعة علاقاتنا مع دول العالم. وعلى الرغم من أن هذا الموضوع لا يحظى بالتغطية الإعلامية، إلا أن الزعماء الكبار يتوافدون إلى البلاد كل أسبوع بل كل يوم ليتعجّبوا مما نجحنا في إحداثه خلال 68 عاماً من استقلالنا. إنهم يتأثرون عميقاً بدولتنا المزدهرة. لقد اجتمعتُ أمس مع رئيس الوزراء التشيكي ومجلس وزرائه، حيث كنا نجلس مع وزراء الحكومة الإسرائيلية [خلال الاجتماع التشاوري بين الحكومتيْن في أورشليم القدس]. وقد أكد [رئيس الوزراء التشيكي] أيضاً التقدير الكبير والمصالح القوية بين كلتا الدولتيْن وضرورة التعاون بينهما في شتى المجالات من تقنيات وعلوم وفضاء إلكتروني واقتصاد وطاقة وطب وزراعة وهلمّ جراً. ولم تكن [تشيكيا] إلا دولة واحدة لكن الأمر يتكرر عدة مرات أسبوعياً. وسوف يتكرر الأمر بعد عدة أسابيع أيضاً عند انطلاقي في جولة تشمل 4 دول إفريقية، علماً بأن الجولة تقتصر على 4 دول لا غير لعجزي عن زيارة 12 أو حتى 20 دولة، حيث تتعجب جميعها من هذه التُحفة المسمَّاة دولة إسرائيل.

 

أيها نواب الكنيست، لقد التقيتُ اليوم رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، وهو رجل صديق لإسرائيل، وأكدتُ له أن الحكومة تتجه إلى السلام. وقلتُ له إنني أتطلع إلى المضي قدماً بالعملية السياسية مع الفلسطينيين على أساس الخطة القاضية بوجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية، بدولة إسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي. إنني مستعدّ لاتخاذ خطوات، بل وخطوات جريئة، مع جيراننا بمساعدة شركاء آخرين في المنطقة، أي مع بعض الدول العربية التي أصبحنا نوثق علاقاتنا معها أيضاً. وسيكون بإمكان الفلسطينيين إقامة دولتهم لكن يجب أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وتعترف بإسرائيل دولةً للشعب اليهودي.

 

إن هذين المبدأيْن، أي نزع السلاح والاعتراف المتبادل، لا يشكلان شرطيْن لإطلاق المفاوضات السلمية. إنني لا أضع أي شروط لمباشرة المفاوضات بل بالعكس، غير أنني أعتقد بأنه لن يتسنى الوصول بالمفاوضات السياسية إلى نهايتها الناجحة إلا من خلال اعتماد هذيْن المبدأيْن. أما المسيرة نفسها فيجب أن تأتي على شكل المفاوضات الثنائية المباشرة الخالية من أي شروط مسبقة ومن أي إملاءات دولية.

 

إنني أعمل بكل ما أوتيتُ من قوة على توسيع الحكومة ضماناً لقدرتنا على مجابهة التحديات الواقفة أمامنا وسعياً للتعامل مع الفرص المختلفة التي تسنح بفضل التغيير الذي يطرأ على الأوضاع الجيو- سياسية وبفضل النظرة المختلفة إلينا من دول عربية مختلفة. وسبق أن قلتُ إنني سأعمد إلى ذلك [أي إلى توسيع الحكومة] عند إقامتنا الحكومة قبل عام، وها أنني أواصل هذه الجهود لإقامة أوسع حكومة ممكنة. ويكون الباب مفتوحاً أمام كل من يريد المساهمة في مصلحة الدولة. إذ ليس لدينا أي بلد آخر ولا دولة أخرى، بل لدينا دولة واحدة وهي دولة رائعة يجب حمايتها ودفعها إلى الأمام. إننا نعتزّ فيها، حيث إنني على ثقة من أن أبناءنا وأحفادنا سيفتخرون بها أيضاً. وما زال هناك الكثير مما يجب إنجازه وإصلاحه، لكن يجب القول إنه لا مبرر للحالة المستديمة من التذمّر التي صارت تنتشر في أوساط معيَّنة. إن إسرائيل هي دولة مستقرة (إطّلعوا على ما يجري في المنطقة المحيطة، إنها تكاد تكون الدولة المستقرة الوحيدة) ودولة متقدمة ودولة مبتكرة ودولة ديمقراطية (حيث يدلّ هذا المقرّ [الكنيست] على ذلك)، إنها الدولة التي تُشعّ النور في المنطقة المظلمة.

 

وكان شخص آخر يُدعى هرتصل، ألا وهو المواطن هرتصل بيطون، يقف قبل أسبوعيْن بمناسبة حلول أمسية عيد الاستقلال بالقرب من قبر منظِّر الدولة- بنيامين زئيف هرتصل- على قمة جبل هرتصل [في أورشليم القدس]، ثم أوقد المشعل تكريماً للمواطنين الإسرائيليين الذين يقفون صامدين إزاء الهجمات الإرهابية منذ أكثر من قرن. وكان هذا المواطن يقول متلهفاً: "تكريماً لشعب إسرائيل الذي لا شعب يضاهيه في العالم، وتعبيراً عن عظمة دولة إسرائيل". وكنت أشاهد هرتصل بيطون، كما كنا نشاهده جميعاً، وعندها أصابتني حالة من التأثر كادت تجعل عينيَّ تدمعان، حيث كانت تلك اللحظة صافية وخالصة وتنمّ عن سموّ الروح. إذ كان المواطن هرتصل بيطون يعكس حقيقة بسيطة مفادها أن رؤية هرتصل قد تحققت وها نحن نحققها.

 

وكان هرتصل قد أشعل الوهج فيما نقوم بتكثيف النار كي لا يخبو نورها أبداً. لنحفظ ذكرى هرتصل ونحترم عظمة إسهاماته من أجل شعبنا ودولتنا، وطيّب الله ذكراه.